من كتاب كلمة منفعة ... الخوف +++ البابا شنوده الثالث



من كتاب كلمة منفعة... الخوف +++ البابا شنوده الثالث

هناك خوف صبياني، كالخوف من الظلام، ومن الوحدة.

وهذا الخوف قد يستمر مع الإنسان في كبره ويخاف الإنسان من غير سبب. أنه ضعف في النفس.

نوع آخر من الخوف، سببه الخطية..

آدم بدأ يعرف الخوف بعد الخطية (تك3:10). وكل إنسان يخطئ قد يخاف أن تنكشف الخطية، ويخاف من سوء السمعة ويخاف العقوبة ومن النتائج السيئة التي يتوقعها لخطيئته..

هناك خوف آخر سببه عدم الثقة بالنفس:

الخوف من الفشل ومن الرسوب ومن المستقبل الغامض وخوف من مقابلة كبير ورئيس ومن مواجهة موقف معين.

هذا الخوف أيضًا ناتج عن عدم إيمان.

عدم إيمان برعاية الله وحفظه. أما القديسون فما كانوا يخافون وذلك لشعورهم بوجود الله معهم وحمايته لهم.

"إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي" (مز22)، "الرب نورى وخلاصي ممن أخاف" (مز26).

هناك خوف آخر سببه عقد نفسية من الصغر:

كابن كان أبوه يقسو عليه فغرس فيه الخوف، بمعاقبته، بانتهاره له وتوبيخه، وإشعاره بالخطأ في كل تصرف، فأصبح لا يثق بأي عمل يعمله ويخاف..

يضاف إلى كل هذا، مخافة الله..

"بدء الحكمة مخافة الله". على أن الإنسان يتطور إلى أن يصل إلى محبة الله "والمحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1يو4: 18). على أن المقصود بخوف الله ليس الرعب، إنما المهابة والخشية، انه خوف مقدس..

قال السيد المسيح "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد. ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها . بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت10: 28).

ومخافة الله تقود الإنسان إلى حفظ الوصايا..

قال القديس اوغسطينوس "جلست على قمة هذا العالم، حينما أحسست في نفسي، أني لا أشتهي شيئًا ولا أخاف شيئًا"..

ليدية بائعة الأرجوان (لِيدِيَّةُ بَيَّاعَةُ أُرْجُوَانٍ)



من قاموس الكتاب المقدس ... دائرة المعارف الكتابية المسيحية
ليدية بائعة الأرجوان (لِيدِيَّةُ بَيَّاعَةُ أُرْجُوَانٍ)

وهي امرأة مسيحية من مدينة ثياتيرا في ليديا. كانت ثياتيرا مشهورة بصناعة الصباغة وكانت هذه الامرأة تقيم في مدينة فيلبي مؤقتًا وتحصل عيشها بالاتجار بالأرجوان والأقمشة المصبوغة. وكانت تعبد الله قبل أن وصل بولس إلى فيلبي. وقبلت بفرح تبشير بولس وكانت أولى المهتدين في مقدونيا وأوربا. وقد أضافت بولس ورفاقه (اع 16: 14 - 15).

كانت "ليدية" سيدة أعمال من ثياتيرا تقيم في فيلبي، وكانت أول من أمن بالرب يسوع، علي يد الرسول بولس في فيلبي (أع 16: 12و 15و 40). ومع أن اسم "ليديية" اسمًا شائعًا في الأدب اليوناني، إلا أنه قد يكون -هنا- وصفا لها باعتبارها سيدة من مملكة ليديا في آسيا الصغرى، وليس اسم عَلَم لأن "ثياتيرا" كانت إحدى مدن ليديا. وكانت "ليدية" "بياعة أرجوان"، فقد كانت بلدتها الأصلية "ثياتيرا" تشتهر بصناعة الملابس المصبوغة بالأرجوان، التي كانت غالية الثمن، ولا يرتديها إلا الملوك وعلية القوم. ولابد أن "ليدية" كانت في فيلبي تمثل إحدى الشركات في موطنها الأصلي ثياتيرا. ومعني ذلك أنها كانت سيدة ذات ثراء. ويظن البعض أنها كانت تواصل ممارسة عمل زوجها المتوفي.

وتوصف "ليدية" بأنها كانت "متعبدة لله" (أع 16: 14)، وهو وصف يدل علي أنها كانت من الدخلاء" في اليهودية. والأرجح أنها قبلت الإيمان اليهودي في موطنها في ثياتيرا حيث كانت توجد مستعمرة يهودية قوية. وفي فيلبي كانت تواظب بأمانة علي الاشتراك في الصلوات في أيام السبوت، عند نهر خارج المدينة "حيث جرت العادة أن تكون صلاة". ولما سمعت كرازة الرسول بولس، "فتح الرب قلبها" وآمنت بالرب يسوع المسيح. وهكذا أصبح بيتها مركز إقامة الرسولبن في أثناء خدمتهما في فيلبي، بل أصبح مقرًا للكنيسة الناشئة، إذ نقرأ أن الرسولين، بعد أن خرجا من السجن، "دخلا عند ليدية فأبصرا الإخوة وعزياهم ثم خرجا" (أع 16: 40).

ولا شك في أن كرم ليدية كان عاملًا فعالًا في مشاركة كنيسة فيلبي للرسول بولس في العطاء لسد حاجاته (في 4: 15و 16).

ولا يرد اسم "ليدية" في رسالة الرسول بولس إلي الكنيسة في فيلبي، ولعل سبب ذلك يكمن في أنها ربما كانت قد غادرت فيلبي، أو أنها قد رقدت في الرب. ويري البعض أنه حيث إن "ليدية" ليس اسم علم لها، بل نسبة إلي موطنها الأصلي في آسيا الصغرى، فلعلها كانت إحدى السيدتين المذكورتين في 4: 2. أما افتراض أنها هي التي خاطبها الرسول بالقول: "أسألك أنت يا شريكي المخلص" (في 4: 3) فهو زعم لا أساس له، وبخاصة لأن "شريكي المخلص" ترد في اليونانية في صيغة المذكر (كما هي في العربية)، وكذلك لا أساس للزعم الخيالي بأن الرسول بولس كان قد تزوجها!

من كتاب الملائكة لمشاهير الآباء القديسين +++ قوة الملائكة



من كتاب الملائكة لمشاهير الآباء القديسين +++ قوة الملائكة

 الملائكة أكثر اقتدارًا وقوة وسرعة ونشاطًا من الإنسان، وكذلك هم أعلم من البشر  لأن طبيعة الملاك روحانية ونارية ونورية، لذلك يمكنه أن يكتشف أشياء لا يمكننا نحن أن نكتشفها بسبب كثافة أجسادنا, وبسبب ضعف هذا الجسم وما يصيبه من أمراض وعلل، وما إلي ذلك من أشياء تعطل قدرة الروح علي أن تنفذ إلي صميم الأشياء.

 أما الملاك فهو أقدر علي معرفة الأشياء، وأسرع إلي الوصول إلي حقائق الأمور من الإنسان, من أجل ذلك يكون الملاك دائما أعلم من البشر في معرفة الأشياء والحوادث الجارية الماضية والحاضرة...

والملائكة فوق ذلك لا يمرضون ولا يضعفون، ولا ينامون ولا يموتون, لأنهم كائنات روحانية, وهم في حالة صحو ويقظة مستمرة، ولهم قدرة عجيبة علي النفاذ إلي طبيعة الأشياء. ويقول المزمور "باركوا الرب يا جميع خدامه العاملين مرضاته" (مز 103: 20, 21).

 وفي هذا ينسب إلي الملائكة أنهم مقتدرون بالقوة... وأنهم أقوياء، وهذا حق... فان ملاكا واحدا قتل في ليلة واحدة 185 ألف رجل من جيش سنحاريب ملك أشور (2مل 19: 35)، وملاك آخر قتل كل بكر في أرض مصر (خر 12: 29).

أليس هذا دليلا علي قدرة الملاك، وعلي استطاعته وعلي إمكانيته التي يمكن بها أن يصنع ما يريد، وما يكلفه الله به.

 لذلك فقد خلقهم الله في طبيعة روحانية أعظم من طبيعة الإنسان كما يقول المزمور "من هو الإنسان حتى تذكره، وابن الإنسان حتى تفتقده، أنقصته قليلا عن الملائكة" (مز8: 4).

وهم أيضا لا يحتاجون إلي زمن كبير في انتقالاتهم من مكان إلي آخر، لأن ليس لهم أجساد مادية تعوق انتقالاتهم, ففي لحظة واحدة يستطيعون أن يسافروا آلاف الأميال.

وفي نفس الوقت يستطيعون أن يمروا من الأجسام المادية، لأن طبيعتهم الروحية تسهل لهم هذا الانتقال من خلال المادة.

من كتاب الملائكة لمشاهير الآباء القديسين +++ طبيعة المحاربات الشيطانية



من كتاب الملائكة لمشاهير الآباء القديسين +++ طبيعة المحاربات الشيطانية

 تنقسم هذه المحاربات إلى قسمين رئيسين:
أ - محاربات النفس والروح.
ب - محاربات الجسد.

 فالشيطان يبدأ بمحاربة الإنسان عن طريق تقديم أفكار خبيثة إليه كما فعل مع آدم وحواء، ثم يجعله هو بنفسه أن يعمل الأعمال الجسدية التي تؤدى إلى السقوط بعد أن يقتنع بأفكاره الشريرة.

فإن لم ينجح في ذلك يخيفه بأوهام ومناظر فكرية، وإن لم ينجح قد يثير فيه شهوات الجسد،

وإن لم ينجح يحاول أن يصيب الجسد نفسه بأمراض شتى كما فعل مع أيوب الصديق (أى 2: 4، 6)،

وكما ضرب القديس أنطونيوس ضربًا مبرحًا. وقد يصيب العقل كما في حالة المجنونين المصروعين الذين ذكرهم الإنجيل المقدس، والذين شفاهم الرب يسوع بكلمته (مر 9: 17 – 26).
يجب أن نعلم أن طبيعة المحاربات الشيطانية محدودة ويمكننا تلخيص عملهم في الحقائق الآتية:

 1 - هم كثيرو العدد وأقوياء جدًا ولهم تأثير كبير على عالمنا، ولكن قدرتهم محدودة من الله، لا يقدرون أن يغتصبوا أحدًا، بل كل من حاول ردعهم متخذًا سلاح الله ينجح (يع 4: 7).
2 - لا يستطيعون أن يعملوا إلا بإذن الله وتحت سلطانه كما حدث في قصة أيوب: "فقال الرب للشيطان هوذا كل ما له في يدك، وإنما إليه لا تمد يدك" (أى 1: 12)، أي لا تمس عقله.

3 - أن أعمالهم تجرى بموجب نواميس طبيعية.

4 - أنهم لا يقدرون أن يبطلوا حرية الإنسان ومسئوليته.

5 - أن السيد المسيح له المجد "أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (صلاة الشكر)،

بعد أن تمم خلاصنا بموته على الصليب وسحق شوكة الشيطان.

6 - أن الله قد يسمح بهذه التجارب من الشيطان لكي ينقى الأبرار من الهفوات أو الشهوات،

وعمومًا فهو يسمح بهذه التجارب لصالح البشر.

من كتاب تأملات في سفر نشيد الأنشاد 2+++ الأنبا يوأنس اسقف الغربية المتنيح



 من كتاب تأملات في سفر نشيد الأنشاد 2+++ الأنبا يوأنس اسقف الغربية المتنيح

"ليتكَ كأخٍ لي الراضع ثديَيّ أمي، فأجدك في الخارج وأقلّكَ ولا يُخزونني. وأقودك وأدخلُ بك بيت أمي وهى تُعلّمني، فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلافِ رُمَّاني" (نش٨: ١، ٢)

 يبدأ هذا الأصحاح الأخير من سفر النشيد بأشواق العروس للتحرر من العبودية وبالأنين للتخلص من قيود الطبيعة الجسدية.. وكلما نما المؤمن في حياة الشركة مع المسيح كما هو حال العروس هنا كلما اتضح أكثر أن الإنسان الخارجي (الجسد) يفرض حدودًا وقيودًا على الروح في الداخل. فبينما الداخل يتجدّد يومًا فيوم، نجد الإنسان الخارجي يفنى أيضًا يومًا فيوم.. وإن كانت قوى الله تظهر في ضعف الجسد "قوتي في الضعف تكمل"، لكن الجسد يبقى دائمًا شوكة في جنب الروح.

وكلما ازداد المؤمن في النضوج الروحي كلما أدرك أن الكمال النهائي يبقى معطلًا بسبب قيود الجسد.. وعلى الرغم من أن المؤمن يحمل في إنسانه الداخلى باكورة حياة القيامة غير أنه لا يخلو من ذلك الأنين الذي تشارك فيه الخليقة كلها "فإننا نعلم أن الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن. وليس هكذا فقط، بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا" (رو٨: ٢٢، ٢٣).

رأينا في نهاية الأصحاح السابق اتجاه العروس إلى الخدمة ورغبتها فيها كثمر من ثمار محبتها لعريسه.. وفى بداية هذا الأصحاح نجدها تلتهب حنينًا لحياة الاتحاد الأعمق مع عريسها. وكأن ختام مناجاة العريس وعروسه في سفر النشيد هو دخول المؤمن إلى خدمة الآخرين مع التهاب القلب بالانطلاق نحو الفردوس.. وربما بدا هذان الاتجاهان متعارضان. لكنهما في الحقيقة متلازمان.. وإن كان هذا الأصحاح الأخير من النشيد في جوهره حديث عن الخدمة فان أساس الخدمة هو المحبة وتمتع الخادم بمحبة عريس الكنيسة.

"ليتك كأخ لي الراضع ثديي أمي، فأجدك في الخارج وأقبلك ولا يخزونني".

كان التقبيل العلني قديمًا بين الرجال والنساء حتى بين الزوج وزوجته يعتبر خدشًا للحياء ومنافيًا للياقة، وكان مسموحًا به فقط بين الأقرباء بالدم (المحارم) كالأخ والأخت.. ومن ثم أحست العروس بالحرج في تحقيق شهوة قلبها المقدسة، وبعجزها عن الإفصاح للعالم عن عمق محبتها لعريسه.. وكأنها أرادت أن تقول "ليتك كنت أخي لكي أستطيع أن أظهر للجميع كيف نرتبط ببعضنا في الله، وحتى حين أريد أن أعلن ذلك جهرًا وأعبّر عن محبتي لك يا حبيبي، فلا يحتقرني ويُسَفّهني الآخرون لكوني غير قادرة على إخفاء حبي.. لهذا تريده كأخ لها الراضع ثديي أمها فتظهر عواطفها نحوه علانية وتقبله في حضرة البشرية كلها دون أن ينسب لها لوم!!

 + لكن ما هو "بيت أمي" الذي تقول عنه العروس انها تدخل بالعريس إليه؟ إنه الكنيسة وأورشليم السماوية التي قال عنها بولس الرسول "أورشليم العليا التي هي أمنا جميع" (غل٤: ٢٦).. وهناك تسقيه من خمر بهجتها الممزوجة من عصير رمانها، لكنها تبقى في اتضاع تريد أن تتعلم. إنها بحاجة مستمرة إلى أن يعلمها أسراره السماوية حتى في الأبدية!!

ولماذا الخمر من عصير رمانها؟! فان الرمان يشير إلى حياة الجهاد. فشجرة الرمان مملوءة شوكًا. وغلاف الرمان مرّ، وفى داخله بذور كثيرة تحمل عصيرًا يحمل طعمًا لذيذًا.. إن الفرح في المسيحية لابد وأن يمتزج بالتعب والجهاد الروحي إلى النهاية.

من كتاب تأملات في سفر نشيد الأنشاد 1+++ الأنبا يوأنس اسقف الغربية المتنيح



من كتاب تأملات في سفر نشيد الأنشاد  1+++  الأنبا يوأنس اسقف الغربية المتنيح

"كان لسليمان كرم في بعل هامون. دفع الكرم إلى نواطير (حرّاس) كل واحد يؤدى عن ثمره ألفًا من الفضة. كرمي الذي لي هو أمامي. الألف لك يا سليمان ومئتان لنواطير الثمر. أيتها الجالسة في الجنات الأصحاب يسمعون صوتك فأسمعيني. اهرب يا حبيبي وكن كالظبي وكغفر (صغير) الأيائل على جبال الأطياب" (نش ٨: ١١ ١٤)

+ الكرم للمسيح (سليمان الحقيقي) وهو يعمل فيه خلال الكرامين والكرم ليس للكنيسة بل لسليمان.

+ بعل تعنى سيد وهامون تعنى الجموع إن كرم المسيح ملك السلام إنما هو جموع البشرية كلها إنه يصير ملكًا للجموع ليدخل بهم إلى سمواته.

+ سلم الكرم إلى كرامين ونواطير (حراس) وهو لا يكف عن العناية به لأنه كرمه "كرمي الذي لي".

+ الألف لسليمان الثمر كله لله ومئتان (مئة لرجال العهد القديم ومئة لرجال العهد الجديد) فالثمر الكثير يتمتع به كل خدام العهدين.

+ الخدام الذين يعملون لحساب المسيح الذي له الألف يصيرون كمن هم وسط جنات فيتحول الباب الضيق والطريق الكرب إلى نير هين وحمل خفيف ويعيشون وهم على الأرض كأنهم في فراديس.

+ "أيتها الجالسة في جنات، الأصحاب يسمعون صوتك فاسمعيني". كأنه يقول لها إن صوت حبك لم يعد مكتومًا بل يسمعه الذين على الأرض "إلى أقطار المسكونة بلغت وقوالهم" والآن تعالى لكي أسمع أنا صوتك المفرح. وكأنه يقول لها "رثى الملكوت المعد لك منذ إنشاء العالم".

+ العروس تجيبه في فرح قائلة "اهرب (أسرع) يا حبيبي وكن كالظبي والأيائل الصغيرة على جبال الأطياب".. إن كنت تريد سماع صوتي فأنا محتاجة إلى اللقاء بك.

على جبال الأطياب تشير إلى الرفعة كالتجلي. والأطياب تشير إلى ما كُفّن به المسيح. إنه يلتقى بها خلال موتها ودفنها معه إذ تموت معه كل يوم لكي تحيا إلى الأبد..

إن هذا الختام يشبه ختام سفر الرؤيا "آمين تعال أيها الرب يسوع".

من روائع أقوال القديس أغسطينوس عن عطش النفس إلى الله



من روائع أقوال القديس أغسطينوس عن عطش النفس إلى الله

+ عطشت إليك نفسي "مز2:63". تأمل كيف عطش داود إلي الله؟..!

+ كل البشر مقتولون عطشًا لكن نادرًا من يقول "عطشت إليك نفسي "بل يعطشون إلي العالم...

+ ينبغي علينا أن نتوق إلي الحكمة، يجب علينا أن نشتاق إلي البر..

 + "عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء "مز2:63

+ إن النفس والجسد يعطشان إلي الله..فالنفس يعطها الله خبزها الذي هو كلمة الحق، والجسد يعطه احتياجاته لأن الله خالق كليهما!

+ أه! إنني لن أشبع إلا عندما يتجلي مجدك قدامي!

نعم يا ألهي فأنت وحدك القادر أن تعيد لي حياتي السعيدة.

+ لك اعترف ببؤسي وذلك عند رحيل اليوم الذي كنت فيه غارقًا بين أباطيل العالم المتعددة محرومًا منك أنت موضوع حبي الوحيد ذلك اليوم الذي فيه كانت أشواقي الجسدية مشتتة في المباهج الخادعة.

+ وما أكثر هذه المباهج وعدتني بأمور كثيرة ومع ذلك فهي لم تجلب على سوي الفقر انتقلت من واحده إلي أخري لعل إحداها تقدر أن تشبع نفسي لكنها عجزت إذ لم تكن نفسي تحيا بعد فيك!!

+ حقًا، إن فيك الحسن يا من وحدك سرمدي وسام وكامل على الدوام..!

+ من يقتفي آثارك لن يضل قط! من يصل إليك لا يلحقه يأس! من يمتلكك تشبع كل رغباته!

+ لكن يا لبشاعة بؤسي!! ويحي يا إلهي فإن قلبي يميل إلي الهروب منك الهروب منك أنت أيها الغني الحقيقي والفرح الحقيقي لكي يتبع العالم الذي ليس فيه إلا الحزن والألم.

+ كأنه قريب " "Neighbour كأنه أخي كنت أتمشي.. "مز14:35..

+ عندما نفرح في الصلاة عندما يهدأ فكرنا لا بمقتنيات العالم بل بنور الحق... عندئذ تفرح نفوسنا بالله ولا تكون بعيدة عنه لأنه كما يقول "به نحيا ونتحرك ونوجد "أع28:17، وكأنه كأخ وكقريب، كصديق لي!

+ إلهي إني احبك وشوقي هو أن تزداد محبتي لك على الدوام!

+ بالحقيقة أنت أحلي من الشهد وأفضل من اللبن وأكثر ضياء من كل نور الذهب والفضة والأحجار الكريمة لا تقارن بك في داخل قلبي!

كل مسرات العالم لا تظهر لي إلا كرائحة كريهة وبلا طعم إذ قد تذوقت عذوبتك مرة ورأيت جمال بيتك!

أيها النار الإلهي، يا من لهيبك لا ينقطع بل دائم الحرارة! أيها الحب الدائم الحرارة، يا من لا تفتر قط!

أيها الحب الإلهي احتضني! امتلكني بكليتي فالتصق بك تمامًا..! ليتني أحبك يا إلهي لأنك أحببتني أولا!

الحفظ الإلهي +++ البابا شنودة الثالث ... مقال بجريدة الاهرام 12 / 9 / 2010



الحفظ الإلهي +++ البابا شنودة الثالث ... مقال بجريدة الاهرام 12 / 9 / 2010

ما أجمل تلك العبارات التي وردت في المزمور‏.‏ وهي‏:‏ الرب يحفظك‏.‏ الرب يحفظك من كل سوء‏.‏ الرب يحفظ نفسك‏.‏ الرب يحفظ دخولك وخروجك‏.‏ إنها عبارات جميلة ومعزية‏.‏ وتطمئن النفس بأنها في حمي الله الحافظ‏.‏ وقد قيل في ذلك أيضا‏:‏ يسقط عن يسارك ألوف‏,‏ وعن يمينك ربوات‏.‏ وأما أنت فلا يقتربون إليك‏.‏

إن عبارة الرب يحفظك هي العبارة التي يقولها كل أب لابنه‏,‏ وكل أم لابنها‏.‏ الرب يحفظ دخولك وخروجك‏.‏ وهي عبارة أيضا يقولها كل مرشد روحي لتلاميذه أن يحفظهم الله من كل سوء‏.‏ بل هي عبارة تقال لكل جندي خارج إلي الحرب‏:‏ الرب يحفظ نفسك‏...‏ بل هي أيضا دعاء يقوله الشعب لقائده حينما يذهب في مفاوضات لأجل البلد‏.‏ فيقال له‏:‏ الرب يحفظ دخولك وخروجك‏.‏

نعم إن كل إنسان يكون في حفظ الله‏,‏ فلن تستطيع قوة في العالم أن تؤذيه‏.‏ لأن حياته هي في يد الله الحافظ وليست في أيدي المعتدين‏.‏ وكل خطر لابد أن يفقد خطورته إذا كانت مشيئة الله أن يحفظ‏.‏

والذي يؤمن بالحفظ الإلهي‏,‏ لا يخاف أبدا‏,‏ ولا يضطرب ولا يقلق‏.‏ شاعرا أن حماية الله ستنقذه من كل ضيق‏,‏ ومن كل الأعداء مهما كانت قوتهم‏.‏ بل يقول كما قال داود النبي في المزمور‏:‏ أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد‏,‏ والتهبوا كنار في شوك‏...‏ دفعت لأسقط والرب عضدني‏...‏ فلن أموت بعد بل أحيا وأحدث بأعمال الرب‏.‏

إن الحفظ الإلهي نابع من حنو الله‏,‏ ومن رحمته‏,‏ ومن رعايته لشعبه‏.‏ فهو  تبارك اسمه إن رآهم وقد أحاطت بهم المشاكل وأرهقتهم‏,‏ حينئذ تتدخل رحمته لكي تنقذهم بحفظه الإلهي‏.‏ وما أكثر الأوقات التي يرسل الله فيها ملائكته لتحفظ الملتجئين إليه‏.‏ وكثيرا ما تدخل الحفظ الإلهي أثناء المجاعات‏,‏ والأوبئة‏,‏ وكوارث الطبيعة من زلازل وفيضانات وسيول‏...‏ إننا لا ننسي حينما هجم وباء الكوليرا علي مصر وهي من أمراض البلاد الحارة وقد أودت بكثيرين‏...‏ لا ننسي أنه في السنة التالية سمح أن تكون قارصة البرد‏,‏ بحيث اختفي وباء الكوليرا‏.‏ ولا ننسي إطلاقًا كيف حفظ الرب بلادنا من الزلزال ولم يدرك الخطورة‏.‏

 ولا ننسي حفظ الله للأطفال‏,‏ الذين قد يتعرضون لأخطار شديدة نتيجة لجهدهم وعدم حرصهم‏.‏ لكن الله يحميهم‏...‏ وقد حفظ الله موسي النبي في طفولته بطريقة معجزية أنقذته من الموت الذي كان يحكم به فرعون وقتذاك علي الأطفال‏...‏ وحفظ الله للأطفال لا يعني فقط الصغار في السن‏.‏ بل أيضا هو حافظ لكل ضعيف محتاج إلي حماية‏.‏ أي كل من لا يقوي علي حماية نفسه‏,‏ فيتدخل الله ويحميه ويحفظ له كيانه‏.‏ وما أجمل ما قاله داود النبي في هذا الموضوع.  إذ قال‏:‏ نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين‏.‏ الفخ انكسر ونحن نجونا‏.‏ عوننا باسم الرب الذي صنع السماء والأرض‏.‏

حقا ماذا يستطيع العصفور المسكين أمام فخ الصيادين؟‏!‏ وإذ لا يستطيع شيئا لإنقاذ نفسه‏,‏ حينئذ يدركه الله أيضا في حفظه‏,‏ يحفظ كذلك من حروب الشياطين‏.‏ إنه في رحمته لا يترك الشيطان يحاربنا بكل خبثه وضلاله‏,‏ بل يضع له حدودا‏.‏ وبغير هذه الحدود كان الشيطان يستطيع أن يملأ الدنيا شرًا‏.‏ أما الحفظ الإلهي فقد قيده‏...‏ وهكذا أيضا يحفظ الله الناس في حروب الخطيئة‏.‏ إذ تتدخل نعمة الله الحافظة وتقف إلي جوار الإنسان كلما ضغطت عليه الخطايا في عنف‏.‏ فيساعده الله لكي لا يسقط‏.‏ هذا إذا استجاب الإنسان إلي عمل النعمة واشترك معها‏.‏

حفظ الله للبشر عموما يشمل حفظهم في البر والبحر والجو‏.‏ فما أكثر ما تعرضت السفن لأمواج البحر العاتية التي تكاد تغرقها‏,‏ ولكن الله الحافظ يدوس علي كبرياء البحر‏.‏ وعند ارتفاع لُجَجُه هو يسكتها‏...‏ كذلك حفظ الله للطائرات في الجو‏,‏ وأحيانا تدركها أخطار من تقلب الجو ومن المطبات الخطيرة‏.‏ ولولا حفظ الله لتعرضت كثيرا من الطائرات إلي الضياع‏...‏ وهناك أخطار أيضا في البر‏,‏ فما أكثر الأحداث الخطرة‏.‏ ولكن الله يحفظ في غالبيتها‏.‏

أقول من جهة الحفظ الإلهي‏:‏ إن الله يحفظنا كثيرًا حينما نطلب منه الحفظ‏,‏ وأحيانا يحفظنا دون أن نطلب‏.‏ لذلك حينما نشكر الله علي حفظه لنا‏,‏ لا نشكر فقط علي ما نعرفه من حفظه‏.‏ وإنما هناك أمور حفظنا الله فيها ونحن لا نعلم‏.‏ ومنع المشاكل من الوصول إلينا دون أن نعرف‏.‏

والحفظ الإلهي يلزمه من جانبنا الإيمان والشكر‏.‏ فأنت حينما تؤمن بحفظ الله تطمئن‏.‏ وبإيمانك بالحفظ الإلهي‏,‏ يدخل السلام إلي قلبك‏.‏ وتقول لله مع داود النبي‏:‏ إن سِرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا‏,‏ لأنك أنت معي‏.‏ أما الذي يكون إيمانه ضعيفًا‏,‏ ويتعرض لذلك الخوف‏,‏ فعليه أن يصلي لكي يمنحه الله هذا الإيمان‏.‏ وبما يقويه أيضا أن يذكر ما يعرفه من قصص الحفظ الإلهي‏.‏ إن الإيمان والصلاة تسبقان الحفظ‏,‏ والشكر يكون نتيجة لهذا الحفظ‏.‏ لأنه لا يليق بنا أبدا أن يحفظنا الله ونحن لا نشكر‏!‏ علي أن حفظ الله لنا يزيدنا إيمانا بحفظه‏.‏

وعبارة يحفظ الرب دخولك وخروجك‏,‏ لتكن في ذاكرتك وعلي فمك‏,‏ في كل مرة تخرج فيها من بيتك أو ترجع إليه‏.‏ وأيضا في كل مرة تدخل إلي مكان عملك أو تخرج منه‏.‏ وكما حفظ الله دخولك إلي هذا العالم‏,‏ فليحفظ خروجك منه‏.‏ وليحفظ دخولك إلي العالم الآخر‏.‏ وعليك أن تصلي وتقول‏:‏ أنت يا رب الذي تحافظ علينا‏.‏ فمن منا يستطيع أن يحفظ نفسه بل أنت يا رب الذي تحافظ علي نفسي من كل شر ومن كل سقطة‏,‏ ومن كل تجربة‏.‏ فليكن حفظ هذا مستمرا معنا كل حين‏.‏ حتى إن لم نعمل علي حفظ أنفسنا تحفظها أنت‏.‏ لأنك يا رب إن فتحت أعيننا لنري كل ما حفظتنا منه‏,‏ ما كانت حياتنا كلها تكفي لشكرك‏.‏

من كتاب شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية، وأهم مبادئنا في الأحوال الشخصية ... واقوال الاباء +++ البابا شنودة الثالث


من كتاب شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية، وأهم مبادئنا في الأحوال الشخصية ...  تشريع المسيحية بخصوص الطلاق واقوال الاباء القديسين بخصوص الزوجة الواحدة +++ البابا شنودة الثالث

 1- الشريعة التي وضعها السيد المسيح بخصوص الطلاق هي شريعة واضحة لا لبس فيها، وهو قوله في العظة على الجبل  وأما أنا فأقول لكم أن من طلق امرأته إلا لعله الزنا يجعلها تزني. ومن تزوج بمطلقه فإنه يزني" (متى 5: 32) وهذا الأمر أيدته وفسرته قوانينه الكنسية وأقوال الآباء...

2- ولكن السيد المسيح لم يكتفي بهذا. إنما أتي إليه الفريسيون مره فسألوه في موضوع الطلاق، فكان من ضمن إجابته لهم "وأقول لكم أن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى، يزني..." (متى 19: 9، لوقا 16: 18). وهذه الآية تظهر بطريقة لا تحتمل الجدل شريعة "الزوجة الواحدة". لأنه أن كان مسموح للرجل أن يتخذ زوجات عديدات، فإنه لا يعتبر زانيًا أذا تزوج بأخرى. لأنه سواء أكان تطليقه للأولي قانونيًا أو غير قانوني، قائمًا أو باطلًا، فإن الزوجة الثانية -بمبدأ تعدد الزوجات- تعتبر زوجة قانونية أخرى تحل له.

 ولا يوجد من هذه الناحية ما يقف ضد شرعية هذا الزواج.

3- ولكن متى يعتبر الزواج بعد التطليق كعلاقة زنا؟ يعتبر كذلك إن كان هناك قانون ينص على عدم الجمع بين زوجتين في وقت واحد، واعتبر مثل هذا الشخص جامعا بين زوجتين في وقت واحد بسبب بطلان الطلاق من الأولى.

وهذا هو الذي قاله السيد المسيح وعلم به إذ قال"... وتزوج بأخرى يزنى". ولذلك فإن القديس مرقس الرسول أورد لنا أكثر وضوحا من هذا، فبعد سؤال الفريسيين للسيد المسيح وإجابته لهم، يقول القديس مرقس في إنجيله " ثم في البيت سأله تلاميذه أيضا عن ذلك. فقال لهم: "من طلق امرأته وتزوج بأخرى، يزنى عليها

وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني" (مرقس11،10:10). هذا هو الشرح الذي نطق به السيد المسيح نفسه. فإنه إذا ما اعتبر الطلاق باطلًا لسبب كونه لغير عله الزنا وتبعًا لذلك اعتبر الزواج الأول مازال قائمًا وعلاقة الزواج بمن طلاق مازالت علاقة زوجية لم تنفصل، فإنه إن تزوج غيرها يزني عليها. وكلمه "عليها" تدل علي جرم هذا الذي أتخذ زيادة علي زوجته الواحدة التي لا تحل له زوجه أخري عليها.

ومن الشق الثاني للآية التي أوردها القديس مرقس، نري أن السيد المسيح قد ساوي بين المرأة والرجل في وحده الزواج. فكما آن المرأة لا تستطيع أن تجمع بين زوجين، وان تزوج بأخر في حالة قيام الزوج الأول لبطلان الطلاق يعتبر زانية؛ كذلك الرجل الذي لا يحل له هو أيضًا سوي زوجه واحده.

أقوال آباء الكنسية وعلمائها بخصوص الزوجة الواحدة

"كانت الزوجات الكثيرات للآباء رمزا لكنائس مستقبلة من شعوب كثيرة تخضع لعريس واحد هو المسيح. أما سر الزواج بواحدة في أيامنا فيشير إلى وحدتنا جميعا في خضوعنا لله، نحن الذين سنصبح فيما بعد مدينة سمائية واحدة". +++ القديس اغسطينوس

"سر الزواج في أيامنا حدد برجل واحد لامرأة واحدة". +++ القديس اغسطينوس

"حتى حينما كان النساء يلدن بنين في القديم، كان مصرحا بتزوج نساء أخريات للحصول على ذرية أكثر. ولكن هذا الآن بالتأكيد غير شرعي. لأن الاختلاف بين الأزمنة يحدد جواز الشيء أو عدم جوازه". +++ القديس اغسطينوس

"لا يمكن أن يتزوج شخص بأكثر من زوجته الحية".  +++ القديس اغسطينوس

"لأنه لم يقل إنه صنعهما رجلا واحدا وامرأة واحدة، بل هو أيضًا أعطى وصيته أن رجلا واحد يرتبط بامرأة واحدة". +++ القديس يوحنا الذهبي الفم

"ولكن سواء عن طريق الخلق أو عن طريق التشريع، أظهر أن رجلا واحد ينبغي أن يعيش مع امرأة واحدة على الدوام ولا ينفصل عنها". +++ القديس يوحنا الذهبي الفم

"ولو كان هناك مسيحيان كان يمكن أن يكون هناك زوجان أو زوجتان. ولكن إن كان المسيح واحد، الرأس الواحد للكنيسة، فليكن هناك إذن جسد واحد، وليرفض الثاني".++++ القديس اغريغوريوس الناطق بالإلهيات

"إن خلق الإنسان الأول، يعلمنا أن نرفض ما هو أكثر من زيجة واحدة. إذ لم يكن هناك غير آدم واحد وحواء واحدة". +++ القديس "جيروم" ايرونيموس

"إذا مات واحد من الاثنين المتصلين، فالآخر محالل أن يتزوج فإذا تزوج الواحد من قبل موت الآخر، فهو مدان مداينة الفاسق". +++  القديس باسيليوس الكبير " قانونه العاشر"

"لا يتزوج واحد وله زوجة. وهذا المثال الواحد يكون لمن ماتت زوجته". ++ القديس باسيليوس الكبير " قانونه العاشر "

"تعدد الزواج بالنسبة لنا خطية أكثر من الزنا، فليتعرض المذنبون به للقوانين". +++ القديس باسيليوي الكبير - القانون 80 " من رسالته القانونية الثالثة "

"من بدء الخليقة أعطى الله امرأة واحدة لرجل واحد " ++ الآباء الرسل

"من صفات المسيحي... ولا يكون نهما، ولا محبًا للعالم، ولا محبًا للنساء. بل يتزوج بامرأة واحدة". +++ القديس ابوليدس " القانون 38من مجموعة قوانينة "

"ولا يتزوج مؤمن بغير مؤمنة، ولا بالثابتة في الزنا... ولا يجمع بين زوجتين أو أكثر". +++  البابا كيرلس بن لقلق " رقم 8 في الزيجات الممنوعة- من قوانينة "

"إن أصل الجنس البشرى يزودنا بفكرة عن وحدة الزواج. فقد وضع الله في البدء مثالا تحتذيه الأجيال المقبلة، إذ صنع امرأة واحدة للرجل على الرغم من أن المادة لم تكن تنقصه لصنع أخريات، ولا كانت تنقصه القدرة". +++ العلامة ترتليان

"من البدء خلق رجلا واحد وامرأة واحدة. ولم يحل الاتحاد بين الجسد والجسد". +++ الفيلسوف اثيناغوراس " ناظر الاكليريكية في القرن الثاني "

"إما أن يبقى الإنسان كما ولد. وإما أن يقنع بزواج واحد. لأن الزواج الثاني ما هو إلا زنا". + +++ الفيلسوف اثيناغوراس " ناظر الاكليريكية في القرن الثاني "

"... ولكن حاشا أن تكون مثل هذه الأعمال عند المسيحيين، لأن عندهم يقطن الاعتدال، ويمارس ضبط النفس، وتلاحظ وحدة الزواج، وتحرس العفة..." ++ القديس ثاوفيلوس الانطاكى

 والسؤال الآن هو:

هل أخطأ كل هؤلاء : الرسل، والآباء القديسون، والعلماء، والفلاسفة، في فهم المسيحية فصرَّحوا -في جهل- بشريعة الزوجة الواحدة؟!

ولسنا في حاجة إلى جواب.

من كتاب شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية، وأهم مبادئنا في الأحوال الشخصية الجزء الثاني +++ البابا شنودة الثالث




من كتاب شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية، وأهم مبادئنا في الأحوال الشخصية +++ البابا شنودة الثالث

بحث تعدد الزوجات في العهد القديم وإلغائه في المسيحية جزء 2

( و ) لم يكن مناسبًا أن يلغي تعدد الزوجات في شريعة موسى

1- كل هذا حدث ولم تكن الشريعة المكتوبة قد أعطيت بعد ونريد أن نعرف في أي ظروف أعطيت هذه الشريعة علي يد موسي النبي، لكي نفهم مدي مناسبتها للناس وللظروف المحيطة بهم. أعطيت الشريعة منحة لشعب مؤمن. ولكنه علي الرغم من كونه وقت ذاك الشعب الوحيد الذي يعرف الله الحقيقي ويعبده، فإنه كان شعبًا قاسيًا (متى 19: 8) عنيدًا " صلب الرقبة " بشهادة الله نفسه عنه ( خروج 32: 9، 33: 5) وبشهادة موسي النبي أيضًا (خروج 34: 9). كان شعبًا متذمرًا كثير الشهوات (خروج 15: 24؛ 16: 3) أتعب موسي النبي جدًا، علي الرغم من المعجزات التي رآها، حتى قال لهم هذا النبي العظيم، "ليس تذمركم علينا بل علي الرب" ( خروج 16: 8).

 لقد أعطيت الشريعة أيام موسي لشعب قال الله لموسي عنه " دعني أفني هذا الشعب". ولولا شفاعة موسي، لأهلك الله الشعب كله في البرية وأفناه (خروج 32). نعم أعطيت الشريعة لهذا الشعب، الذي لم أبطئ عليهم موسي مع الله -إذا كان علي الجبل يستلم الشريعة- قال هذا الشعب لهارون " قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن موسي هذا الرجل الذي أصعدنا من ارض مصر، لا نعلم ماذا أصابه "(خروج 32: 1) وهكذا لم نزل موسي من علي الجبل، وجد الشعب يعبد عجلًا من ذهب! هذا الشعب الذي قال الله عنه فيما بعد " ربيت بنين وبنات ونشأتهم وأنهم فعصوا علي. الثور يعرف قانية، والحمار معلف صاحبه. وأما إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فعلي الشر أولاد مفسدين" (إشعياء 1: 2-4) لم يكن ممكنًا لمثل هذا الشعب الذي أوضحنا شيئًا من حالته، أن يحتمل مستوي عاليًا، فكان لابد أن يتدرج الله معهم.

 هذا الشعب الذي بكي بدموع مشتهيًا أن يأكل لحمًا (عدد 11: 4، 10،15)، والذي عادي فأشتهي العبودية من أجل اكلأ اللحم (خروج 16: 3)، هل كان ممكنًا أن يمنع الله عنه تعدد الزوجات؟! مثل هذا الشعب الذي ارتكب الزنا في بيت الرب نفسه، والذي بسبب زناه عبد آلهة أخرى وسجد لها في حياة موسي نفسه (عدد 25)، هل كان ممكنًا آن يمنع عن تعدد الزوجات؟!... لم يكن مناسبًا أذن أن يمنع تعدد الزوجات في شريعة موسي، علي الأقل لسببين:

 أولًا: لأن ذلك لم يكن مناسبًا لمستوي الشعب الإسرائيلي ذاته، وألا اقتيد إلي الزنا.

 ثانيًا: لأن ذلك لم يكن مناسبًا للرغبة في مقاومة الجو الوثني الطاغي المحيط بالشعب.

وإنما كان لابد من سياسة تدرج، يسمح فيها لمن يريد من الشعب باتخاذ النساء كزوجات، مع رفع فكرة ليتسامي بفكرة الزواج فيتخذها بغرض روحي، لتكوين شعب لله، بدلًا من التفكير في الزواج كمادة لإشباع شهوة جسدية.

فما الذي فعل الله في سياسة التدرج هذه؟

( ز ) سياسة التدرج التي اتبعها الله

1 - بدأ الله في شريعة موسي يغسل هذا الشعب من نجاسته ويرفع مستواه، حتى يستطيع أن يصل به في المسيحية إلي الطهارة التي أرادها له منذ البدء، والتي كانت شريعة "الزوجة الواحدة" أحد مظاهرها. فماذا شرع له حتى أقتاده إلي ذلك؟

أ‌- حرم الله علي الشعب كثيرًا من الزيجات:

حرم عليه التزوج بالأخت، وكان ذلك ممارسًا في القديم. فإبراهيم أبو الآباء أتخذ سارة زوجه له ( تكوين 20: 12). وحرم عليه الزواج لأختين وكان ذلك أيضًا ممارسًا في القديم، كما حدث مع يعقوب أبي الأسباط الاثني عشر (تكوين 29: 26، 27). وحرم عليه زيجات أخرى كثيرة، بلغت في سفر اللاويين 17 حاله (أصحاح 18). وهكذا لم يعد الزواج مطلقًا كما كان من قبل. وقد تدرج هذه المحارم وتطور حتى وصلت إلي حد اكبر فيما بعد. ومن يكسر هذه المحارم كان في الغالب يقتل.

ب‌- أمره بالابتعاد عن النساء في ظروف روحية معينه:

 فقبل أن يقترب الشعب من جبل سيناء لسماع الشريعة، أمره موسي آن يتطهر ويغسل ثيابه، ولا يقرب النساء ثلاثة أيام (خروج 19: 15). وكان محرمًا علي أي فرض من الشعب آن يتقدم ليأكل من ذبائح الله المقدسة، إلا وهو طاهر لم يقرب امرأة (لاويين 22: 6). وهكذا كانت هناك أيام عامه، يتعفف فيها الشعب كله، ويتفرغ للعبادة وهي موسم الرب وأعياده، التي تقدم فيها ذبائح عامه وكانت كثيرة (لاويين 23) تضاف إليها المناسبات الخاصة بالأفراد التي يقدمون فيها ذبائح للرب عن أمور خاصة بهم.

وهكذا عندما طلب داود النبي من أخيمالك الكاهن خبزًا، أجابه ذاك "... يوجد خبز مقدس، إذ كان الغلمان قد حفظوا أنفسهم ولاسيما من النساء". ولم يعطيه إلا بعد أن أجابه داود " أن النساء قد منعت عنا منذ أمس وما قبله" (صموئيل الأول 21: 4، 5).

 ج- كان أمر الله الشعب بالابتعاد عن النساء في ظروف خاصة بهن:

مثال ذلك "أيام طمث المرأة". أن مسها وهي "في نجاسة طمثها" يصبح هو أيضًا نجسًا إلي المساء وكذلك أن كانت ذات سيل، في الغير أيام طمثها (لاويين 15: 19، 27). أما إذا أضطجع رجل مع امرأة طامث فكلاهما يقطعًا من بين الشعب (لاويين 20: 18). كذلك كانت المرأة لا تمس في أيام نفاسها حتى تطهر (لاويين 12).

د- ولكي يمنع الله الشعب من الانغماس الشهواني في المعاشرات الجنسية اعتبر أن "كل من اضطجع مع امرأة أضطجع زرع يكون نجسًا إلي المساء" (لاويين 15: 16) فيغتسل الاثنين ويغسلًا ملابسهما هذا إذا كانا زوجيين، أما آن لم يكونا كذلك فإنهما يقتلان (لاويين 20: 10) . فكأن الله شرع لهم أن الابتعاد عن النساء طهارة، حتى الزوجات! فإن كانت هذا مع الوحدة، فكم بالأكثر في حالة تعدد الزوجات؟!

 ه - وهكذا حتى في شريعة موسي كشف الله للشعب ولو من بعيد قبسًا من جمال البتولية وسموها عن الزواج.

وكمثال لذلك قال عن الكاهن الأعظم "هذا يأخذ امرأة عذراء أما الأرملة والمطلقة والمدنسة والزانية، فمن هؤلاء لا يأخذ بل يتخذ عذراء من قومه امرأة (لاويين 21: 13، 14). وتدرج الله حتى بارك الخصيان وقال "لا يكن الخصي أني شجرة يابسة... أني أعطيهم... أسمًا أفضل من البنين والبنات" (إشعياء 56: 3، 5).

 و- أصلاح آخر قام به الله في شريعة الزواج وهو يختص بالطلاق:

وقد شرحنا قبلًا ما اتبعه الله فيه من تتدرج أنتها إلي أنه قيل في سفر ملاخي النبي "لأنه يكره الطلاق قال الرب إله إسرائيل" (2: 16). هذه أمثلة قليلة من التدرج الذي أحدثه الله في شريعة الزواج، ورفع به الشعب من الممارسات البدائية التي تشابه الوثنين إلي درجات قربتهم إلي شريعة المسيحية التي رجعت فيها الوضع الإلهي الأصلي. أما تعدد الزوجات فإن وقت إلغائه لم يكن قد حان بعد.

( ح ) السبب الروحي الثاني لتعدد الزوجات

عمليًا سمح الله بتعدد الزوجات لأن مستوى الشعب لم يكن يتفق وإلغاءه. ولكنه لكي يسمو بهم وجههم إلي اتخاذ الزواج لإنجاب البنين لسببين.

 أ- لينمو شعب الله ويقف أمام قوة الوثنيين.

وفي ذلك يقول القديس أوغسطينوس "إن الآباء في العهد القديم كان واجبًا عليهم أن ينجبوا أولادًا لأجل تلك الأم أورشليم... حتى الأنبياء الذين كانوا لا يعيشون حسب الجسد كانوا أيضًا مضطرين أن يجتمعوا بأجساد".

ب‌- لأنه بهذا النسل ستتبارك الأرض، إذ أن منه سيخرج المسيح.

 كان مجيء المسيح أو "المسيا المنتظر" هو أمل كل فرد من أفراد الشعب. حتى إن المرأة السامرية -على الرغم من أنها كانت خاطئة- قالت للسيد المسيح قبل أن يعلن لها ذاته "أنا أعلم أن المسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء" (يوحنا 25:4).

وهكذا كانت قلوب جميع أبناء إبراهيم معلقة بالمسيا ومجيئه. وكانوا يعرفون أنه المقصود بوعد الله لإبراهيم "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تكوين 18:22)، وهو نفس الوعد الذي سمعه إسحق أيضا (تكوين 4:26)، وكذلك يعقوب (تكوين 14:28).

كل رجل كان يتمنى أن يأتي المسيح من نسله وكل امرأة كانت تذوب شوقًا في أن يكون المسيا من ثمرة أحشائها. ولهذا يقول القديس أغسطينوس "فاشتعلت النساء القديسات -ليس بالشهوة وإنما بالتقوى- للإنجاب". وقال عن الآباء القديسين "كان الزواج واجبًا علي القديسين، ليس طلبًا له في ذاته وإنما لأجل شيء أخر". من أجل أي شيء؟ يريد القديس في نفس كتابة " ليوا من أجل العالم، وإنما من أجل المسيح صاروا أزواجًا ومن أجل المسيح صاروا أباء". لذلك فما أصدق القديس أوغسطينوس عندما قال في موضع آخر "كانت الرغبة في إنجاب الأولاد روحيه وليست جسدية".

ولهذا أصبحت قلة النسل عارًا. فرحيل زوجة يعقوب، لما كانت عاقرًا قالت ليعقوب "هب لي بنين وإلا فإنا أموت"! (تكوين 30: 1) . ولم فتح الله رحمها فولدت، قالت "قد نزع الله عاري" (تكوين 30: 23). وأليصابات العاقر لم ولدت أبنها يوحنا المعمدان سبحت الله قائلًا "نظر إلي لينزع عاري من بين الناس" (لوقا 1: 25) وعلي عكس ذلك كان كثرة البنين بركة. فقيل "البنون ميراث من الرب..." (مزمور 127: 3).... وكان من البركة أن يقال " امرأة مثل كرمه مخصبه في جوانب بيتك، وبنيك مثل غصون الزيتون الجدد حول مائدتك... "(مزمور128: 3)...

لذلك فعلي الرغم من أن الزواج بامرأة الخ كان محرمًا حسب الشريعة (لاويين 18: 16) ، فإنه كان يتحول إلي واجب حتمي أذا مات الأخ بدون نسل، فيضطر أخوه إلي اتخاذ أرملته زوجه ليقيم نسلًا للأخ المتوفى، فالبكر الذي تلده يحسب أبنًا للمتوفى "لئلا يمحي اسمه من إسرائيل" (تثنية 25: 5- 10).

( ط ) تطور الأمور وزوال أسباب تعدد الزوجات

إذن لم يكن تعدد الزوجات في قصد الله منذ البدء، بل انه وضع للبشرية شريعة "الزوجة الواحدة" ورأي أنه حسن. ولكن لما سقط الناس في الفساد في تعدد زوجاتهم تنازل الله إليهم ويرفعهم إليه، وتسامح في هذا المر محاولًا آن يوجه أفكارهم في اتجاه روحي. فسار هذا الأمر فتره من الزمن، ثم استجاب لهم القديسون فقط الذين قال عنهم أوغسطينوس "كان الآباء يستطيعون أن يضبطوا أنفسهم لكنهم -لأجل الإنجاب وليس لمرض الشهوة- اتخذوا لهم نساء. ولنا في السماء شركاء زاهدون.. لم يستعملوا نساءهم أطلاقًا للحبل". وقال عنهم أيضًا " لم يتقدموا في المعاشرة الجنسية أكثر من حاجة أنجاب البنين". أمام غالبيه الشعب فلم تسر في هذا الطريق الروحي، وإنما انحرف عن الطريق السليم، واستغلت سماح الله استغلالًا رديئًا.

وكما قال العلامة ترتليانوس في كتابه إلي زوجته "هناك احتياجات أسيء استعمالها". ولم يقف الناس عند هذا الحد بل تدنسوا بالزنا وخالفوا وصايا الله وعبدوا آلهة أخري وسجدوا للأصنام. لذلك أسلمهم الله للسبي، فسباهم نبوخذ نصر ملك بابل. وأورشليم ذاتها أنهدم سورها وأحرقت أبوابها والذين نجوا من السبي وبقوا فيها صاروا في شر عظيم وعار (نحميا 1: 2، 3).

 وسمح برجوع المسبيين وبناء سور أورشليم، ولكن الشعب لم يتحول عن فساده حتى قال الله لارمياء النبي أكثر من مرة "لا تصل لأجل هذا الشعب للخير. حين يصومون لا أسمع صراخهم، وحين يصعدون محرقه لا أقبلهم. بل بالسيف والجوع والوباء أنا أفنيهم" (ارمياء 14: 11، 12). وبالفعل أسلمهم الله فعلًا لليونان فحكمهم الإسكندر الأكبر وخلفائه البطالمة، ومن بعد هؤلاء أسلمهم إلي الرومان فاستعبدوهم. وجاء المسيح وهم كذلك.

هكذا لم تستمر فكرة "شعب الله الذي يصمد أمام الوثنيين" فإذا قد سلموا المسيحية وديعتهم العقائدية من نبوات ورموز وتقاليد وكتب موحي بها، انتهت فكرة الشعب المختار، وأصبح المؤمنون في العالم كله هو شعب الله، ولم يعد هناك فرق بين يوناني ويهودي كما قال بولس الرسول (كولوسي 3: 11)

 وفكرة إنجاب المسيح تطورت هي الأخرى.

إذ ما لبثوا أن عرفوا من النبوءات أنه سيأتي من سبط يهوذا، وهو واحد فقط من الأسباط الاثني عشر. ثم عرفوا أيضًا أنه سيأتي من قرية بيت لحم، من بيت داود بالذات، وهو فرع من سبط. ثم عرفوا أخيرًا أنه سيولد من عذراء. وهكذا زال هذا السبب أيضًا كما زال سابقه . وهكذا يقول القديس أوغسطينوس في كتابه De Bonon Viduitetis عن حنة النبية، التي تفرغت للعبادة وهى بعد شابة بعد ترملها المبكر، عابدة بأصوام وصلوات مدى 84 سنة لم تفارق الهيكل " كانت حنة كنبية تؤمن أن المسيح سيولد من عذراء، ولذلك لم تتزوج ثانية".

ثم ولد المسيح أخيرًا، وانتهى هذا السبب أيضًا.

بل أننا وجدنا ظاهرة أخرى قد جدت في تاريخ شعب الله، وهى البتولية. فإذا بأنبياء كثيرين عاشوا بتوليين، مثل يشوع وإيليا وأليشع ودانيال والفتية الثلاثة القديسين وكثيرين غيرهم، وأخيرا يوحنا المعمدان الذي عمد السيد المسيح.

ولم يعد عدم الإنجاب عارًا، بعد دعوة المسيحية إلى البتولية وإلى البقاء في الترمل. والشعب اليهودي نفسه، بدأ يقلل من تعدد الزوجات، إذ لم يجد داعيا إليه ، حتى إنه ندر في الفترة التي سبقت ولادة المسيح. " وقد ألغته الآن طائفة اشكنازيم אַשְׁכֲּנָזִים ولم تعد تسمح به. كما ألغته غيرها من الطوائف". وهكذا في مجيء المسيحية، كان الجو معدا من كل ناحية، ولم يعد هناك سبب واحد للإبقاء على تعدد الزوجات، الذي كان كسرا للنظام الذي وضعه الله منذ البدء.

( ي ) الزمن الآن قد تغير

عرضنا في الفصول السابقة، الظروف التي نشأ فيها تعدد الزوجات في العهد القديم قبل المسيحية، والأسباب التي كانت تدعو إليه وكيف زال بزوالها. وبقى أن نردد الآن ما سبق فقاله القديس ايرونيموس: "ما شأننا وهذا؟! نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور، الذين قيل لنا: الوقت مقصر، لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم" (1كو29:7). وأيا كانت الحالة في العهد القديم فإننا نضع إلى جوارها قول بولس الرسول " الأشياء القديمة قد مضت، وهو ذا كل شيء صار جديدًا".

فما أعجب قول من يقول آن المسيحية توافق على تعدد الزوجات مستدلًا على ذلك بأن إبراهيم أبا الأنبياء كانت له أكثر من زوجة! إن كان المسيحي إذن يقلد إبراهيم فيتخذ لنفسه زوجات، فهل يستطيع المسيحي أن يتزوج أخته لأن إبراهيم كان متزوجا أخته؟! وهل يستطيع المسيحي أن يتخذ له سراري ومحظيات مثل إبراهيم وسليمان؟! وهل يحق للمسيحيين أن يملأوا هياكلهم ذبائح ومحرقات لأنه هكذا كان أيام موسى والأنبياء؟!

 لا شك أن الزمن غير الزمن، والشريعة القديمة اليهودية قد كملت في المسيحية، والسيد المسيح نفسه قال إنه جاء ليكمل (متى17:5).

قال القديس أغسطينوس "سمح للأزواج باتخاذ نساء عديدات، ولم يكن سبب ذلك شهوة الجسد ولكن فكرة الإنجاب... أما الآن فلم يعد إنجاب البنين واجبًا كما كان في القديم". ويقول أيضًا "حتى حينما كان النساء يلدن بنينا كان مصرحا بتزوج نساء أخريات للحصول على ذرية أكثر، ولكن هذا الآن بالتأكيد غير شرعي، لأن الاختلاف بين الأزمنة يحدد جواز الشيء أو عدم جوازه.

الآن يعمل الرجل أحسن لو أنه لم يتزوج حتى زوجة واحدة، إلا إذا كان لا يستطيع أن يضبط نفسه" (اكو1:7، 9).

من كتاب شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية، وأهم مبادئنا في الأحوال الشخصية الجزء الاول +++ البابا شنودة الثالث


من كتاب شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية، وأهم مبادئنا في الأحوال الشخصية الجزء الاول  +++  البابا شنودة الثالث

بحث تعدد الزوجات في العهد القديم وإلغائه في المسيحية جزء 1

( أ )  فساد الجنس البشري وتدهوره

لكي يتضح هذا الأمر جيدًا، علينا أن نعرف أولًا ظروف قيامه، حينئذ تظهر لنا حكمة الله فيه:
فساد الجنس البشرى وتدهوره:
 1-  كان آدم بتولًا في الفردوس، وكذلك كانت حواء. ويقول عنهما الكتاب المقدس "وكان كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان" (تكوين25:2). ولكنهما -بعد الخطية- فقدا حالتهما الأولى السامية الفائقة للطبيعة، وأحسا بعريهما فكساهما الله وستر عريهما. وبعد أن طردا من الفردوس، يقول الكتاب "عرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين..." (تكوين1:4).

 ولم يكتف الإنسان بالنزول من سمو البتولية إلى عفة الزواج الواحد، بل تدرج البعض إلى تعدد الزوجات (تكوين19:4)، وبدأت الشهوة الجسدية تسيطر على الرجال "فرأوا بنات الناس أنهن حسنات"، "فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا" (تكوين2:6)، ويصف الكتاب الحالة السيئة التي وصلت إليها البشرية فيقول "ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم... فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته" (تكوين7،5:6). وكان الطوفان...

 ولكن حتى نسل نوح الذي أنقذ من الطوفان أخطأ أيضًا إلى الرب. وعاد الشر فكثر في الأرض. ولم يكتف الناس بالزنا، بل انحطوا أكثر من ذلك إلى الشذوذ الجنسي، كما ظهر ذلك ببشاعة في أهل سادوم التي أحرقها الله بالنار هي وعامورة (تكوين24،5:19). وظهرت بشاعة الزنا في حادث سبط بنيامين (قضاة29:20-33).

وانحدرت البشرية إلى هوة أخرى فعبدت الأصنام دون الله، حتى أن لابان خال يعقوب أب أسباط إسرائيل الاثني عشر، كان هو أيضًا يعبد الأصنام (تكوين30،19:31). وظهر التسري وانتشر (تكوين2:16و 9،3:30). وتطور الزنا بالناس، حتى عرف بينهم البغاء أيضًا (تكوين16،15:38).

ووسط هذا الجو الوثني الفاسد، كان تعدد الزوجات يعتبر عملًا شريفًا جدًا إذا قيس بالممارسات الأخرى. وهكذا كانت البشرية تتطور -في البعد عن الله- من سيء إلى أسوأ. ولم تكن الشريعة المكتوبة قد أعطيت لهم بعد. فماذا يفعل الله؟ هل يفني الإنسان مرة أخرى من على وجه الأرض، ويتوالى تكرار قصتي الطوفان ونار سدوم؟! أم هل كان هناك حل آخر تقوم به مراحم الله لأجل إنقاذ الإنسان؟.. كان هناك حل آخر. فما هو؟

( ب )  كان لا بُد من سياسة تدرُّج لإنقاذ الإنسان

 1- انتقى الله من البشرية إبراهيم أبا الآباء، لكي يجعله نواة لشعب جديد، ينشأ بتربية إلهية خاصة، ويكون كمتحف حي للديانة الإلهية وللعبادة الحقة، وسط الشعوب الوثنية التي تملأ الأرض. ونظرًا إلى حالة البشرية المنحطة لم يثقل الله بوصايا صعبة على الشعب الناشئ المحاط فكريًا وعمليًا بألوان من خطايا الوثنيين.

وحتى في هذا الشعب المختار ظهر تعدد الزوجات أيضًا. لم يأمر الله به، ولكنه تسامح فيه: إذ كانت له ظروفه الخاصة من جهة، ومن جهة أخرى فإن المستوى البشرى المعاصر لم يكن يسمح وقتذاك بالسمو الذي أراده الله للإنسان منذ البدء. لابد من سياسة تدرج يتخذها الله الرحيم الشفيق، لكي يأخذ بيد البشرية الساقطة، ويقودها خطوة خطوة إلى الوضع الإلهي الذي كان في البدء.

 وكمثال لسياسة التدرج التي عامل بها شعبه تشريع الطلاق مثلًا: في البدء لم يكن هناك طلاق، ولكنه ظهر لما فسدت البشرية. فلم يلغه الله دفعة واحدة، وإنما تدرج مع الناس. تركهم فترة طويلة في حريتهم المطلقة، يستخدمون الطلاق بدون قيد ولا شرط. ثم قيدهم في الشريعة بكتاب طلاق يُعطى للمطلقة. ويقول القديس اوغسطينوس إنه "في هذا الأمر كان يظهر التوبيخ أكثر من الموافقة على الطلاق. فمن المعروف أن إجراءات قسيمة الطلاق كانت نوعًا من التعطيل، لأنه تستغرق وقتًا يراجع فيه الزوج نفسه. ومع ذلك فقد قال السيد المسيح لليهود "من أجل قساوة قلوبكم، أذن لكم أن تطلقوا نساءكم" (متى8:19).

إذن فلم يكن السبب أن الأمر كان يتمشى مع قصد الله، وإنما هو تنازل من الله ليتمشى مع ضعف الإنسان. وقد قال ذهبي الفم: "أن الزوجة المكروهة، وإذا لم يكن يؤذن بطلاقها، كان يمكن أن يقتلها الزوج، لأنه هكذا كان جنس اليهود الذين قتلوا الأنبياء . فسمح الله بالأقل ليزيل الشر الأكبر... فيخرجوهن بدلًا من أن يذبحوهن في البيوت".

 ولكن الله صبر على ذلك زمنًا، ثم وبخ الشعب علانية على الطلاق، مُظهرًا لهم كراهيته لهذا الأمر (ملاخى16:2). وأخيرًا ألغى الطلاق في العهد الجديد، إلا لعلة الزنا، لأن هذه الخطية بالذات تكسر جوهر الزوج من أساسه، كما سيظهر ذلك عند كلامنا عن "الجسد الواحد".

تنازل الله إذن في تشريعه مع مستوى الناس، لكي يرفعهم تدريجيًا إلى المستوى الذي يريده لهم: سمح لهم بأكثر من زوجة، سمح لهم بالطلاق، سمح لهم بالتسري، سمح لهم برجم الزناة... كل ذلك لأنهم كانوا وقتذاك لا يحتملون السمو الذي أراده لهم.

وكان من غير المعقول أن يعطى الله الناس شريعة فوق مستواهم لا يستطيعون تنفيذها. ولذلك حسنًا وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين بقوله عنهم "يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس" (متى4:23).

 وهكذا اختار الله نقطة بدء منخفضة تتفق ومستوى الناس، مع عرضه الكمال عليهم يختاره مَنْ يشاء ومَنْ يحتمل، دون أن يكون إجباريًا. ولكنه تدرج شيئًا فشيئًا في تشريع هذا الكمال حتى تم ذلك في المسيحية. وحتى في هذه أيضًا ترك درجات عليا من الكمال اختيارية، لأنه كما قال "ليس الجميع يحتملون" (متى11:19). غير أنه احتفظ في المسيحية بسمو للحد الأدنى.

من أجل هذا قال العلامة ترتليانوس "كل واحد يعلم الآن، أنه قد سمح لآبائنا -حتى رؤساء الآباء أنفسهم- ليس فقط بالزواج وإنما بتعدد الزيجات أيضًا، بل إنهم احتفظوا كذلك بسراري. ولكن على الرغم من استعمال الطريقة الرمزية في الكتاب في الكلام عن الكنيسة والمجمع، فإننا سنشرح هذا الإشكال في بساطة بقولنا إنه "كان من الضروري في الأزمنة الماضية، أن تقوم ممارسات ينبغي إبطالها فيما بعد أو تعديلها". بقى علينا أن نشرح لماذا كان ذلك ضروريًا في تلك الأزمنة.

( ج ) فكرة "شعب الله" وبركة النسل

1- كان تعدد الزوجات يتمشى إلى حد كبير مع فكرة "شعب الله"، هذا الشعب الذي علمه الله الشريعة، وأرسل إليه الأنبياء ليحفظ فيه العقائد السليمة إلى أن يحين انتشارها في الأرض كلها، فتصبح جميع الأمم هي شعب الله.

 وكان لابد أن يكثر هذا الشعب: ليس فقط ليستطيع الصمود أمام شعوب الوثنية القوية، وإنما أيضا ليستخدمه الله في القضاء على الوثنية. كما حدث فيما بعد، عندما طرد الوثنيين من الأرض وسكنها، فصارت مقدسة، إذ أنها كانت المركز الوحيد لعبادة الله الحقيقية في العالم كله.

 من أجل هذا كانت كثرة النسل بركة توارثها الآباء وسعوا لنيلها. وهكذا نسمع أن الله قال لإبراهيم أبى الآباء"... وأجعل نسلك كتراب الأرض، حتى إن استطاع أحد أن يعد تراب الأرض فنسلك أيضا يعد" (تكوين 16:13). وقال له أيضا "انظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها... هكذا يكون نسلك" (تكوين5:15). وقال له ثالثة "من أجل أنك فعلت هذا الأمر، ولم تمسك ابنك وحيدك "عنى"، أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر . ويرث نسلك باب أعدائه، ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تكوين 16:22-18). وأقام الله عهدًا مع إبراهيم قال له فيه " لأني أجعلك أبا لجمهور من الأمم، وأثمرك كثيرًا جدًا وأجعلك أممًا، وملوك منك يخرجون. وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم..." (تكوين 5:17-7).

ونفس هذه البركة منحها الله لإسحق بن إبراهيم فقال له "فأكون معك وأباركك... وأكثر نسلك كنجوم السماء وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تكوين 3:26،4). وكرر الله هذه البركة عينها ليعقوب بن إسحق (12:32،11:35).

( د ) زيجات إبراهيم ويعقوب وفكرة الرمز

 1- "أعجيب"... بعد كل هذه المواعيد بكثرة النسل كنجوم السماء ورمل البحر... أن يتخذ إبراهيم له أكثر من زوجة؟! ظانًا في نفسه أن هذا قد يتفق ومشيئة الله في مباركة نسله!

ولم يفعل إبراهيم ذلك عن شهوة جسدية، وهو رجل كان قد شاخ واجتاز الثمانين من عمره بسنوات، دون أن يتخذ لنفسه امرأة أخرى غير سارة زوجته الوحيدة العاقر! إلى أن أعطته هي أمتها هاجر سرية قائلة له "هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة. ادخل على جاريتي لعلى أرزق منها بنين" (تكوين2:16). وكانت له ست وثمانون سنة من العمر حين ولدت له هاجرا ابنا" (تكوين16:16)

 وقد قال القديس اغسطينوس في كتابه Bono Conjugali عن أبينا إبراهيم انه عاش في حالة الزواج بعفاف. وكان في مقدوره أن يعيش عفيفا بدون زواج، ولكن ذلك لم يكن مناسبا في ذلك الزمان. فأي زمان يقصده أوغسطينوس؟ إنه ليس زمنا وثنيا فاسدا تكتنفه ظلمة الجهل فحسب، وإنما تسرى إبراهيم في عصر خافت فيه ابنتا قريبه لوط من انقرض العالم بعد حرق سادوم وعمورا، وهرب هذه العائلة الصغيرة وحيدة في الأرض، فأسكرتا أباهما، وأنجبتا منه نسلًا دون آن يعلم (تكوين 19: 31-38)... ليس عن شهوة ولا دنس، وإنما رغبة في النسل، وخوفًا من انقراض الأسرة في الأرض... ليست المسألة أذًا شهوة حسية أو عدم ضبط نفس. فإن القديس أغسطينوس في الإجابة عن هذه النقطة "وهي زواج إبراهيم بأكثر من واحدة يصيح متسائلًا في تعجب" هل لم يضبط نفسه، هذا الذي قدم أبنه ذبيحة"؟!

 أما العلامة ترتيليانوس فيضيف رأيًا أخر بقوله "كان زواج إبراهيم مثالًا ورمزًا" وهذه الفكرة شرحها أيضًا القديس ايرونيموس بالتفصيل في رسالته إلي أجيروشيا. وكلا هذين الكاتبين المسيحيين الكبيرين لم يتكلم من ذاتيهما، وإنما أعتمد علي شرح القديس بولس الرسول بهذه النقطة بذات في رسالته إلي غلاطية (4: 22- 30). في الواقع كانت كثير من الأشياء في تصرفات وحياة الآباء الأول والأنبياء هي -كما قال القديس ايرونيموس- "رموز لأمور ستأتي". وهذا الموضوع شرحه بالتفصيل القديس هيلاري أسقف بواتيبية الذي كان يلقب "أثناسيوس الغرب" في كتابه Tractatus Mysteriorum  فتحدث عن هذه الرموز منذ آدم، وتعرض فيه الزيجات إبراهيم ولزيجات يعقوب أيضًا. وهذا الامر أوضحه القديس أوغسطينوس في عبارة موجزة قال فيها " كانت زوجات الإباء الكثيرات رمز لكنائس مستقبله من شعوب كثيرة تخضع لعريس واحد هو المسيح. أما سر الزواج بواحدة في أيامنا، فيشير إلي وحدتنا جميعًا في خضوعنا لله، نحن الذين سنصبح فيما بعد مدينة سمائية واحدة".ومع ذلك فإن إبراهيم لم تجده زوجاته الكثيرات شيئًا إذ قال له الله "بإسحق يدعي لك نسل" (تكوين12:21). ولما مات لم يدفن كما لاحظ القديس أمبروسيوس إلا مع زوجته سارة وحدها.

وابنه اسحق لم يتخذ في حياته كلها التي بلغت 180 عامًا (تكوين 35: 28) غير زوجه واحده هي رفقة ، التي كانت حياتها هي الأخرى تحمل رموزًا كثيرة بالأخص في زواجها وفي إنجابها.

أما يعقوب أبو الأسباط الاثني عشر، فمعروف أنه خدع من خاله لابان الذي زفه إلي زوجه من ابنتيه غير التي أختارها لنفسه. وفي الصباح اكتشف يعقوب أنها ليست خطيبته التي أختارها، وإنما هي أختها الكبرى. وأجابه لابان عن هذه الخدع بقوله "لا يفعل هكذا في مكانًا آن تعطي الصغيرة قبل البكر" (تكوين 29: 36). وعلاجًا للمشكلة زواجه الصغرى أيضًا. وتسري يعقوب بنفس السبب الذي من أجله تسري إبراهيم: دفع إلي ذلك دفعا من زوجتيه أن يتخذ له جاريتهما سريتين لينجب لهما نسلًا (تكوين 30: 3،9). وكانت في تلك الزيجات أيضًا رموز لأمور ستأتي، شرحها القديس ايرونيموس في رسالته الآنفة الذكر.

وهكذا نري أن الأب الكبير لم يطلب تعدد الزوجات ولم يشتهيه، ولكنه أيضًا لم يرفضه عندما دفع إليه دفعًا بحكم ظروفه الخاصة. بل علي العكس سري بأن ير له نسلًا كثيرًا كان يرن في إذنيه وعد الله له ولأبيه وجده بأن نسله سيصير كنجوم السماء ورمل البحر لا يعد من الكثرة، وأن به ستتبارك جميع قبائل الأرض.

( ه ) العنصر الروحي الأول لتعدد الزوجات

 1- كانت هناك أسباب روحية خطيرة من أجلها تسامح الله في قيام تعدد الزوجات.

أما السبب الأول الخطير فهو مقاومة طغيان الوثنية:

تلك الوثنية التي كانت قد انتشرت بشكل مريع، حتى كادت تكتسح العالم كله بدون استثناء. ولذلك كانت فكرة الله في اختيار شعب يعبده تقوم على ثلاثة عمد أساسية، وهى عزل هذا الشعب، وإنماؤه، وتعليمه. أما سياسة العزل فبدأت عندما قال الله لإبراهيم "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك..." (تكوين1:12،2). وكان العزل لازما حتى لا يتأثر شعب الله بالوثنية فيعتنقها نتيجة لاختلاطه بالوثنيين.

وكان من مظاهر هذه السياسة: السكن المنفرد، وعدم التزاوج مع شعوب الأرض الوثنية، وعدم التعامل معهم. وحرص إبراهيم على تنفيذ هذا في  تزويجه لابنه إسحاق (تكوين3:24-4) كما حرص عليه اسحق في تزويج ابنه يعقوب (تكوين 1:28-4). وعندما كان شعب الله يكسر قاعدة العزلة هذه، كان يقع في عبادة الأوثان ويحل عليه غضب الله، كما حدث ذلك مرات سجلها سفر القضاة. ولكن سياسة العزل وحدها عن الشعوب الوثنية لا يكفى، لأن الشعب المؤمن إذ كان قليلًا وضعيفًا، حتى إن هو اعتزل عن الوثنيين يمكن أن يطغوا هم عليه ويستعبدوه لهم ويخضعوه لعبادتهم. فكان لابد أن تصحب عملية العزل عملية إنماء في العدد، حتى يستطيع الصمود أمام قوة أعدائه، وحتى يرث أرضهم وينشر فيها عبادة الله. وعملية الإنماء صحبها بالضرورة تعدد الزوجات، لأن الأمر لم يكن سهلًا، إذ هو تكوين شعب من فرد واحد.

 ولهذا كان إنجاب البنين وقتذاك عملًا مقدسًا. لأن المقصود به كان حفظ الإيمان بالله من الضياع، والوقوف أمام خطر العبادات الفاسدة. وهكذا نرى حقيقة هامة وهى:

في تعدد الزوجات -قبل مجيء السيد المسيح- لم يكن المقصود هو الزوجات، وإنما البنين الذين تلدهم الزوجات والبنون لم يقصدوا لذاتهم، وإنما لحفظ الإيمان في عالم وثنى. فخرج الأمر إذن عن الغرض الجسدي إلى الغرض الديني. ومن الواضح أن هناك فرقا بين الحالة هنا، والحالة أيام آدم وأيام نوح بعد الطوفان. ففي هذه الحالة الأخيرة كانت الأرض خالية، ولكنها كانت نقية ليست فيها وثنية تهدد الإيمان السليم بالفناء فكان يمكن للإنسان أن ينمو على مهل في ظل قصد الله السامي بشريعة "الزوجة الواحدة". أما في أيام إبراهيم فكان العكس هو السائد: كانت في الأرض شعوب كثيرة من الناس. وإذ كانوا كلهم وثنيين، صاروا خطرا على القلة الضئيلة جدا التي تعبد الله. ولذلك كان يبدو أن تعدد الزوجات بالنسبة لعابدي الله لازم ليرفع نسبتهم العددية ولو قليلًا

من كتاب اللاهوت المقارن .... أهمية الماء ورموزه في المعمودية +++ البابا شنودة الثالث



من كتاب اللاهوت المقارن .... أهمية الماء ورموزه في المعمودية +++  البابا شنودة الثالث

 وفي هذا المجال أود أن أتحدث عن موضوع هام هو:

أهمية الماء ورموزه:-

وذلك لنفهم لماذا اختير الماء للغسل والولادة الجديدة في سر المعمودية المقدس.. منذ البداية، في قصة الخليقة، والماء له علاقة بالحياة.

 يقول الكتاب: (وروح الله يرف علي وجه المياه) (تك2:1). ويذكر أيضًا أن الله قال: (لتفض المياه زحافات ذات أنفس حية، وليطر طير..) (تك20:1). وهكذا خرجت الحياة من الماء، ونري ربطًا ما بين الماء وروح الله.

ونقرأ أيضًا أن الله يشبه ذاته بالماء. فيقول في تبكيته للشعب: (تركوني أنا ينبوع المياه الحي، لينقروا لأنفسهم آبارًا مشققة) (إر13:2). وكما ذكر هذا في العهد القديم ذكر نفس المعني في العهد الجديد في قوله السيد المسيح له المجد: (من آمن بي -كما قال الكتاب- تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه) (يو7: 38، 39).

ويشبه هذا قول السيد المسيح عن نفسه أنه المعطي الماء الحي في حديثه مع المرأة السامرية عن الماء الحي، إذا يقول: (بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلي حياة أبدية) (يو4 10-14). الماء إذا يرمز إلي الحياة، وأحيانًا إلي الروح القدس نفسه .

وما أجمل قول الوحي الإلهي في المزمور الأول عن الرجل البار إنه: (يكون كشجرة مغروسة علي مجاري المياه تعطي ثمرها في حينه) (مز3:1)أي ثمر الروح.

ويعوزنا الوقت أن نربط بين الماء والحياة والروح القدس في الكتاب المقدس. الذي يستمر من أول سفر التكوين (تك 3:1). إلي آخر سفر الرؤيا (أنا أعطي العطشان ينبوع ماء الحياة مجانًا) (رؤ6:21) (وأراني نهرًا صافيًا من ماء حياة لامعًا كبلور، خارجًا من عرش الله والخروف) (رؤ1:22).

 (من يعطش فليأت، ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانًا) (رؤ17:22).

وفي عبور البحر الأحمر كان الماء يرمز للحياة والموت معًا. موت الإنسان العبد، وحياة الإنسان الحر، الخارج من الماء.

وفي لقان خميس العهد، كان الماء يرمز إلي التطهير. لذلك قال الرب بعد غسل أرجل تلاميذه قال لهم: (أنتم طاهرون..) (يو10:13). ويقول المرتل في المزمور: (أغسل يدي بالنقاوة).

لعل هذا هو غسل الميلاد بالكلمة، التطهير الذي نناله في حميم الميلاد الجديد. وينطبق عليه في المعمودية قول الرسول للعبرانيين: (مغتسلة أجسادنا بماء نقي) (عب22:10).

ولا أريد أن أترك الحديث عن الماء، دون أن اذكر معجزة عظيمة حدثت وقت صلب المسيح خاصة بالماء والدم.

 لما طعن الجندي جنب المسيح وهو علي الصليب، خرج من جنبه (دم وماء) (يو24:19).

 فما الحكمة اللاهوتية من هذا؟

خرج من جنبه الدم الذي يعطي معني الفداء. ولكن كيف ننال نحن هذا الفداء نناله بالماء (المعمودية) لذلك حسن أن أجتمع علي الصليب الدم والماء، ليعطي الوسيلة للفداء.

إن دم المسيح الذي يطهرنا من الخطية نناله بالماء. ما أجمل -في سر الأفخارستيا- أن نمزج الدم بالماء.

ولعل موضوع الدم والماء يظهر واضحًا في قول القديس يوحنا الحبيب الذي شهد هذا الحادث (خروج الدم والماء) وهو إلي جوار الصليب:

 (الذين يشهدون في الأرض هو ثلاثة: الروح والماء والدم. والثلاثة هم واحد (1يو8:5). إن  الفداء الذي نناله توضحه هذه الآية.

الفداء قدمه لنا الدم (دم المسيح). ونحن ننال استحقاقات هذا الدم بالميلاد من الماء والروح.

إذن في المعمودية تجتمع هذه الثلاثة في الشخص الواحد المعمد: أعني الدم والروح والماء.


مختارات رائعة من اقوال الاباء القديسين جزءرقم 15



 إن لم نخفِ أقوال الله في قلبنا مثلما نخفي جوهرة يأتي الشرير ويخطفها (مت19:13) ++ القديس أثناسيوس الرسولي

إنه لا يقدر أحد أن يؤذي إنسانًا ما لم يوذِ الإنسان نفسه. +++ القديس يوحنا الذهبي الفم

لنكن متحفظين بكل عناية، كما هو مكتوب: "احفظ قلبك بكل سهر". لأن أعداءنا مرعبون وماكرون - هم الأرواح الشريرة - نصارع ضدهم، وكما يقول الرسول لسنا نُصارع ضد لحم ودم، بل ضد الرئاسات، ضد القوات، ضد رؤساء عالم هذه الظلمة، ضد أجناد الشر في السماويات. ما أكثر عددهم في الهواء المحيط بنا! فإنهم ليسوا بعيدين عنّا ++ القديس أثناسيوس الرسولي

الانحراف نحو اليمين هو أن يخدع الشخص نفسه فيقول إنه بلا خطية. والانحراف نحو اليسار هو أن يحيط الإنسان نفسه بخطاياه ظانًا أنه لا يًصاب بضررٍ ولا يُعاقب ++ القديس اغسطينوس

 احفظ قلبك بكل اجتهاد، أي ليس خفية، فإنه يجب إظهار الأفكار والكشف عن الأعمال. استخدم يديك في العمل، وقلبك في التأمل في الصلاة +++ القديس مار افرام السرياني

من كانت أفكاره متحررة من الهوى، ينظر باستقامة، ويكون حكمه سليمًا من الانفعال بالمظاهر الخارجية. عندما يقول "لتنظر عيناك باستقامة"، يعني بصيرة النفس ++  القديس هيبوليتس

دهْن العيون بالكلمة وثقْب الآذان بالوصية يجعل من الإنسان مستمعًا ومتأملًا في الأمور الإلهية والمقدسات، فيُعلن الكلمة الجمال الحقيقي: "ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن" (1كو9:2) ++  القديس اكليمنضس السكندري

 من يصلي برغبة يسبح في قلبه حتى إن كان لسانه صامتًا. أما إذا صلى (الإنسان) بغير شوق فهو أبكم أمام الله حتى إن بلغ صوته آذان البشر +++ القديس اغسطينوس

 إن كان القانون يجلب خوفًا، فإن معرفة القانون هي بدء الحكمة، فالإنسان لا يكون حكيمًا بدون القانون. فمن يحتقر القانون غير حكيم وبالتالي يحسب شريرًا ++  القديس اكليمنضس السكندري

 "مخافة الرب بدء الحكمة"، الشعور بالخطية يقود إلى التوبة، ويهب الله حنوه على التائبين. ++  القديس إيرينيؤس

 أريد أن يكون لي خوف مناسب مؤسس على العقل والإدراك... فلا يكون لنا خوف دون إدراك، ولا إدراك دون خوف ++ العلامة أوريجينوس

أية شعلة يلهبها الروح في داخلنا يمكننا إن أردنا أن نوهجها أكثر فأكثر، وإن لم نرد نفقدها للحال (بتراخينا وعدم تجاوبنا معه). +++ القديس يوحنا الذهبي الفم

لا تحتقر النعمة من أجل مجانيتها بل اقبلها واكتنزها بورع +++ القديس كيرلس الأورشليمي

 الذين ينالونه (الروح القدس) يتمتعون به على قدر استيعابهم، لا على قدر ما يستطيع هو  +++ القديس باسيليوس الكبير

من ينشغل بذاتيته ولا يطلب مشورة الغير، إنما يحمل علامة الغباوة. قيل: "أرأيت رجلًا حكيمًا في عيني نفسه؟ الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به" (أم 26: 12). ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

 الذين أعلنوا أنه عمانوئيل المولود من البتول (إش 7: 14) أعلنوا أيضًا اتحاد كلمة الله بصنعة يديه. إذ صار الكلمة جسدًا، وابن الله ابنا للإنسان، وافتتح الطاهر بنقاوة والأحشاء النقية معطيًا للبشرية تجديدًا في الله +++  القديس ايريناؤس

ميلادك الإلهي يا رب قد وهب البشرية كلها ميلادًا... ولدتك البشرية حسب الجسد، وأنت ولدتها حسب الروح... المجد لك يا من صرت طفلًا لكي تجعل الكل جديدًا. ++ مار افرام السرياني

إننا نؤكد أن الابن وحيد الجنس قد صار إنسانًا... حتى إذ يولد من امرأة حسب الجسد يعيد الجنس البشري فيه من جديد. +++ القديس كيرلس الكبير

أن الإنسان بالإيمان يرافقه السيد المسيح ليسير معه كل الطريق كما فعل مع تلميذي عمواس اللذين توسلا إليه أن يمكث معهما، فلما اتكأ معهما "انفتحت أعينهما وعرفاه" (لو 24: 31). +++ القديس اغسطينوس

في آخر الأيام عندما جاء ملء زمان الحرية قام الكلمة بغسل قذر بنت صهيون بنفسه، إذ غسل بيديه أقدام التلاميذ (يو 13: 5). +++  القديس إيريناؤس

مخدوع هو الإنسان الذي يظن أنه يقتني الخلاص من البشر، أو ذاك الذي بتهور شجاعته الذاتية يهرب من الهلاك +++ القديس اغسطينوس

Create explain Adsense account without you own site by HubPages 2015

Create explain Adsense account without you   own site by HubPages

شرح إنشاء حساب أدسنس بدون إمتلاكك لموقع جديد 2013

There has been much talk esteemed brothers in recent days about the difficulty of registration in Google

Adsense for this always liked to look for a solution to Mchklhiena them lots and lots

I found a wonderful site worth the experience from which you can create a Google Account

Adsense I want you own the site, and then Badzlk ads can add to your blog, as

You may also profit from this site which is the site for the publication of articles in

You can translate English Almqlat and published in this site and therefore your ads will

Presented in the articles on the site and profit from two sides of this site and profit from Mdont


من أقوال القديس أغسطينوس عن موت المسيح وقيامته وعلاقتهما السرية بإنساننا الداخلي



من أقوال القديس أغسطينوس عن موت المسيح وقيامته وعلاقتهما السرية بإنساننا الداخلي

 1- فمن جهة موته كان فيه سرًا بخصوص إنساننا الداخلي... لقد كنا أمواتًا بالنفس حتى قيل لا في المزمور فحسب بل وعلى الصليب (نيابة عنا) إلهي إلهي لماذا تركتني) مز1:22". "مت46:27".

هذه الكلمات التي تتفق مع قول الرسول (عالمين أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد للخطية) "رو6:6".

وصلب الإنسان العتيق يعني آلام التوبة والاختصار الذي لضبط النفس...

وهكذا ينهدم جسد الخطية على الصليب فلا نعود بعد نستخدم أعضاءنا آلات إثم للخطية.

 فإن كان الإنسان الداخلي يتجدد يومًا فيوم (2كو16:4) إلا أنه كان بلا شك عتيقًا قبل أن يتجدد! هذا هو ما حدث في الداخل إذ كما يقول الرسول (أن تخلعوا الإنسان العتيق... وتلبسوا الإنسان الجديد "أف24، 22:4"..  ثم عاد ليشرح قوله هذا مردفًا (لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبة "أف25:5".

2- أما عن قيامة جسد الرب. فهي أيضًا تخص "سريًا " قيامة إنساننا الداخلي إذ يقول للمرأة بعد قيامته (لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلي أبي) "يو17:20 " (أي أنه لا يريد التلامس الجسدي الخارجي إنما يطلب تلامسًا روحيًا داخليًا مع إنساننا بطريقة جسدية.

هذا السر يتفق مع كلمات الرسول القائل (فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق "كو2، 1:3".

محاضرات في علم اللاهوت الطقسي القبطي ... طقس أسبوع الآلام +++ الأنبا بنيامين أسقف المنوفية



محاضرات في علم اللاهوت الطقسي القبطي ... طقس أسبوع الآلام +++ الأنبا بنيامين أسقف المنوفية

طقس أسبوع الآلام
 بعض الملاحظات عن هذا الأسبوع:
1- هو أقدس أيام السنة كلها:

لأن السيد المسيح تكلم فيه عن الحب الأعظم، فقال: " ليس حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه " لذلك يسمى أسبوع الحب الإلهي أقدس أيام السنة كلها".

- لهذا تتعامل الكنيسة مع هذا الأسبوع بهذا المستوى فهو أكثر أسبوع نجد فيه نسك – أصوام – ميطانيات – فهو نوع من تبادل الحب.

- أسبوع الآلام هو رؤيا لمحبة المسيح الذي واجه الموت نيابة عنا – فهو  نزل من السماء لكي يموت من أجلنا لذلك نحن نضع الصليب دائمًا أمامنا لكي نري الصليب فنتذكر ذلك العهد الذي عاهدناه به، فهو أخذ حياتنا ومات بها علي الصليب، لكي يعطينا حياته البارة المقدسة لكل نسلك فيه.0 نحن نعيش أحداث هذا الأسبوع بهذه الروح أو بهذه الرؤيا نري المسيح في حبه يقدم كل آلامه ويقدم حياته ويفدينا لكل نقتدي به ونحيا به.

- في هذا الأسبوع نجد فكرة التفرغ للعبادة مأخوذة من هذه الرؤيا فالناس كانوا يتفرغوا للعبادة طوال هذا الأسبوع وكانوا يقرأون العهدين القديم والجديد، لذلك الصوم الكبير كان يصل إلى قمة روحانية في أسبوع الآلام.

- في هذا الأسبوع نركز كل صلواتنا علي آلام السيد المسيح، فميزة الطقس أنه يملأ الشعور واللاشعور،  من رؤية أيقونة الصلبوت والشموع  والقراءات الحواس كلها مليئة بهذه الأحداث الهامة.


2- أن كل الصلوات تقام في الخورس الثاني:

أي خارج المحلة (خارج الخورس الأول): كما قال معلمنا بولس " عبرانيين 12: 13 " فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره، وهو نفس المكان الذي يقول فيه الكاهن الخمس أرباع الخشوعية في أثناء دورة البخور والسبب في ذلك:

- لأن السيد المسيح صلب خارج أورشليم.

- وكانت ذبيحة الخطية تحرق خراج المحلة (الأقداس) وهذا كان يعني طرح الخطية خارج الإنسان لكي يتبرر الإنسان ويصير في بر وقداسه.


3- يسمى بأسبوع البصخة (كلمة قبطي):

كلمة بصخة يعني عبور بالعربي، أو فصح بالعبري، و بالانجليزية Passover  وهو تذكار لعبور الملاك علي بيوت المصريين لكي يهلك كل بكر فيها، فكان الملاك يمر علي كل بيت في أرض مصر فإذا وجد الدم علي القائمتين والعتبة العليا فكان يعبر عنها  وإذا لم يجد الدم كان يقتل كل بكر.

يبدأ أسبوع الآلام من سبت لعازر إلى سبت النور أي 8 أيام وكل يوم له قراءاته.

ونحن نعتبر آلام السيد المسيح هو عبور:

فبالتجسد شابهنا، وبالآلام عبر بنا، وبالقيامة جعلنا نشابهه، فالسيد المسيح أراد أن نشابهه لذلك شابها أولًا بأن عبر بنا لكي نشابهه فهذا أخذ جسدًا مثلنا وتألم عنا.

محاضرات في علم اللاهوت الطقسي القبطي ... الشموع والستائر السوداء في أسبوع الآلام +++ الأنبا بنيامين أسقف المنوفية



محاضرات في علم اللاهوت الطقسي القبطي ... الشموع والستائر السوداء في أسبوع الآلام +++   الأنبا بنيامين أسقف المنوفية

 الستائر السوداء التي توضع في الكنيسة، فهي ليس مجرد إعلان حداد أو حزن عام، نحن لا نحزن علي السيد المسيح فهو قال لبنات أورشليم " لا تبكين علي بل ابكين علي أنفسكن وأولادكن " وكان يقصد أن يوجه النظر إلى الإنسان نفسه، فهو إن كان تألم ومات لكنه كان يعرف أنه سوف يقوم وينتصر علي الموت، ويصعد.. الخ، فهو كان واثق من كل هذا، لكن الحزن علي الخطية التي سبت للرب كل  هذه الآلام فنحن نقول في القسمة السريانية "أحزني يا نفسي علي خطاياك التي سببت لفاديك الحبيب كل هذه الآلام اغسلي جرحه فيك واحتمي فيه عندما يهيج عليك العدو".

وكذلك تعبيرًا عن حزن التلاميذ حينما سمعوا حديث الرب عن آلامه وموته (التلاميذ رمز للكنيسة) توضع الستائر علي الحوائط والعمدان و المنجليات وستور الهيكل (في الكنيسة عمومًا) إشارة إلى سيطرة الخطية قبل الفداء، هذه ساعتكم وسلطان الظلمة.

لذلك أسبوع الآلام يسبب للنفس حزن وتوبة عن الخطية، فهو من كثرة الندم والحزن يتوب عن خطاياه.


الشموع في أسبوع الآلام

توضع علي المنارة بجانب المنجلية إشارة لنور القراءات ولذلك توضع 3 شمعات إشارة إلى النبوات والمزامير والأناجيل (البشائر).

كذلك أمام الصلبوت توضع الشموع، فهي تعني البذل، والتضحية.

أيضًا لأن السيد المسيح هو نور العالم الذي بذلك ذاته عنا. فهو الذي تنبأ عنه الأنبياء كرز الرسل به، وتنادي به الكنيسة.

تأمل من سفر نشيد الاناشيد ++ طلبته فما وجدته (نش 3: 1) ++ البابا شنودة الثالث



تأمل من سفر نشيد الاناشيد ++ طلبته فما وجدته (نش 3: 1) ++ البابا شنودة الثالث

 تقول عذراء النشيد "في الليل علي فراشي، طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته" (نش 3: 1).

إنها عبارة مؤثرة ومتعبة للنفس، كيف أن إنسانًا يطلب الله، فلا يجده في حياته؟! كيف أن الله الذي يقول "أطلبوا تجدوا" (مت 7: 7) تقول عنه العذراء "طلبته فما وجدته" (نش 3: 1)؟! وتكررها مرة أخري (نش 3: 2).

 التخلي:

نعم، هناك فترات من التخلي تبعد فيها النعمة. والنفس تطلب الرب فلا تجده!.. الظلمة تدهمها , فتبحث عن طاقة من نور..!

فترات فيها "تكون سماؤك التي فوق رأسك نحاسًا، والأرض التي تحتك حديدا!! (تث 28: 23). لا تشعر بالدالة التي بينك وبين الله، والتي كانت بينك وبينه! ولا بالعشرة والصلة القديمة..! لا إحساس بوجود الله، ولا متعة، ولا عاطفة..

مرت عليك أوقات من قبل، كنت فيها نارا مشتعلة. والآن نبحث عن تلك النار فلا تجدها. لا حرارة في الصلاة، ولا عاطفة في القلب، ولا تعزية ولا شعور، تطلب الله ولا تجده..

 هل لأنك الآن علي فراشك، بعد نهار قضيته في مشاغل كثيرة! وإذا بمشاغل النهار التي أخذتها بعمق، جعلت شاعرك الروحية تجف!

لم تخلط عملك النهاري بالله، بل كنت غريبا عنه طول النهار! فلما طلبته بالليل علي فراشك، لم تجده!

في أوقات دالتك مع الله، كان الله بالنسبة إليك، أقرب من النفس الذي يدخل صدرك ويخرج. أما الآن فأنت تدعوه وكأنك تخاطب نفسك.. ! كنت تقرأ الكتاب المقدس، فتجد تأملات كثيرة تملأ قلبك وفكرك، وفيضا من التعزيات يغمر نفسك. أما الآن فلا تجد!! وتردد عبارة:

"طلبت من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته". وتفحص ذاتك فتقول:
إنني لا أجده. ولكنني مع ذلك أطلبه.

 ليس هو موجودًا معي. لا أحسه في حياتي. ولكنه موجود في قلبي أحسه في رغباتي وأشواقي..

حرماني من الله، يجعلني أطلبه بالأكثر. أنا لست راضيا عن حرماني منه. لست من الذين أحبوا الظلمة أكثر من النور، "لأن أعمالهم شريرة" (يو 3: 19). فمع أنني في سقوطي، تكون أحيانًا أعمالي شريرة وتشبه ذلك، إلا أنني لست أحب الظلمة..

فلماذا تخلي النعمة يشعرني بالحرمان من الله؟!

 أسباب التخلي:

 أحيانًا يكون سبب التخلي، كبرياء ارتفعت فيها النفس.

إنسان يكبر في عيني نفسه، ويظن أنه قد أصبح شيئًا. وفي هذا الظن يفقد احتراسه، علي اعتبار أن الخطية لم يعد لها سلطان عليه!! ويريد الرب أن ينقذ هذا الإنسان من كبريائه وارتفاع قلبه. فيتخلي عنه قليلا، ليشعر بضعفه فلا يرتفع قلبه. لأنه " قريب هو الرب من المنسحقين بقلوبهم" (مز 34: 18). وبابتعاد النعمة، بالتخلي المؤقت، قد يسقط الإنسان، ويهتز قيامه ويضعف. فيعود ويحترس حتى من أقل الخطايا. ويتمسك بالرب بالأكثر.

مثل هذه العذراء التي بعد أن قالت "طلبته فما وجدته" قامت وبحثت عنه. فلما وجدته قالت "أمسكته ولم أرخه" (نش 3: 4).

سبب آخر من أسباب التخلي، هو اهتمام الإنسان الزائد بالأمور العالمية، بحيث تبرد حرارته الروحية، ويقرع الله علي قلبه وما من مجيب!

و كأنه يقول لصوت الله في قلبه "أما الآن فاذهب. ومتى حصل لي وقت أستدعيك" (أع 24: 25). كما قال فيلكس الوالي لبولس الرسول. وقد حدث هذا لعذراء النشيد مرات عديدة، حينما سمعت صوت الحبيب يناديها فتكاسلت عن أن تفتح له، كما ورد في الإصحاح الخامس (نش 5: 3).

 حقًا إن التمركز حول الذات هو من أسباب التخلي:

ما أكثر ما يكون الإنسان متحوصلا حول نفسه. يفكر في ذاته، وليس في الله.. إذا أعمل؟ وماذا أكون؟ وكيف يكون؟ كيف أبني شخصيتي ومركزي؟ "أهدم مخازني وابني أعظم منها,.. وأقول لنفسي: لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة.. استريحي وافرحي" (لو 12: 18 , 19). وفيما الإنسان مشغول بذاته، يبحث عن الله فلا يجده!

بل قد يدخل في خدمة الله، وهو متمركز حول ذاته، وليس حول الخدمة، ولا هو متمركز في محبة الله وملكوته.. فيفكر كيف يستحوذ علي كل السلطة في الخدمة، ويوقف فلانا عند حده وكيف تصير كلمته هي الأولي، وهي الوحيدة! وكيف تسير كل الأمور حسب تدبيره هو! وحينئذ يطلب الله فلا يجده..

 معني: طلبته فما وجدته:

الله موجود حقا في كل مكان. فكيف تبحث عنه فلا تجده؟!

هو موجود حقا. ولكن المهم هو إحساسك بوجوده والصلة به.. الإحساس بالحب والمتعة والعشرة مع الله. الإحساس بالدالة، بحرارة اللقاء، وبسكني الله داخل القلب وعمله فيه.

قد يكون الله موجودا معك، وأنت لا تشعر ولا تدرك.

كما كلم السيد الرب مريم المجدلية بعد القيامة. ولكنها لم تشعر بوجوده. بل ظنته البستاني. وقالت له عن الرب "إن كنت قد أخذته" (يو 20: 15). بينما كان الرب بذاته هو الذي يكلمها وهي لا تدري, بل شعورها في ذلك الوقت كان "طلبته فما وجدته"..

و نفس الأمر حدث مع تلمذي عمواس. كان الرب معهما وهما لا يعلمان. بل يقولان له "هل أنت وحدك المتغرب عن أورشليم، ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها؟!" (لو 24: 18).

 تأكد أن الله لا يتركك مهما تركته. وفي نفس الوقت الذي تقول فيه: "طلبته فما وجدته" يكون هو معك، يعمل لأجلك..

لا تيأس إذا مرت عليك فترات من التخلي. لا تظن أنه تخلِّ حقيقي! ولا نظن أن التخلي مستمر..

ما أخلي قول الرب عن إحدى فترات التخلي لتلك العاقر:

"لحيظة تركتك , وبمراحم عظيمة سأجمعك" (أش 54: 7).

 مناسبة أخري:

عبارة " طلبته فما وجدته " وردت أيضا في (نش 5: 6).

حيث تقول عروس النشيد، في مناسبة أخري، فيها تخلت عن حبيبها، فتحول عنها وعبر. فقالت "نفسي خرجت عندما أدبر. طلبته فما وجدته. دعوته فما أجابني" (نش 5: 6) والقصة تبدأ بقولها "صوت حبيبي.. هوذا ات علي الجبال، قافزا علي التلال" (نش 3: 8). ثم " صوت حبيبي قارعا: افتحي لي يا أختي يا حبيبتي، يا حمامتي يا كاملتي، لأن رأسي قد امتلأ من الطل، وقصصي من ندي الليل" (نش 5: 2). ولكن العروس تعتذر قائلا: "خلعت ثوبي، فكيف ألبسه؟! غسلت رجلي، فكيف أوسخها؟! ولم تفتح حينئذ تحول عنها وعبر، بسبب إهمالها.. فذاقت التخلي..

 كانت هذه العروس مهتمة بذاتها أكثر من اهتمامها بالله وخدمته!

كانت مهتمة بزينتها الخارجية، بثوبها بنظافتها براحتها. ووسط كل ذلك تثاقلت أن تقوم وتفتح للرب.. فتركها تذوق التخلي.

لقد أنتظر الرب طويلا حتى امتلأت رأسه من الطل، وقصصه من ندي الليل. ولكنها تركته يمد يده طول النهار لقلب معاند مقاوم (رو 10: 21). وهكذا قدمت قلبا متراخيا متكاسلا أمام نداء الله!

 عجيب أن تعتذر نفس عن لقاء الله، وتسرد لذلك حججًا..!

آه يا رب، أنا غير متفرغ لك الآن. عندي مشروعات أقوم بها، وخدمة وخدمات عديدة أنما منشغل بها! وخطية محبوبة تسيطر علي عواطفي وفكري! أو مقابلات كثيرة ولقاءات تستغرق نهاري كله وجزءًا من مسائي. لذلك لست أجد لك وقتًا!! أعذرني إن تركتك بعض الوقت دون أن أفتح لك. فامتلأت رأسك من الطل!!

 وهكذا يتخلي الله، لا كعقاب وإنما كعلاج..

إنها نفس تزدري بالنعمة، وتهمل صوت الله داخلها، فتقع في التخلي، حتى تعود وتستيقظ، وتعرف ما ينبغي عليها أن تفعله.

ولهذا نجد أن هذه النفس قد استفادت من التخلي..

بعد أن تحول حبيبها وعبر، نراها تقول "نفسي خرجت عندما أدبر". ولم تكتف فقط باشتعال مشاعرها من الداخل، وإنما تقول "إني أقوم أطوف في المدينة وفي الأسواق والشوارع، أطلب من تحبه نفسي".. وفعلًا ذهبت تسأل عنه الحراس: "أرأيتم من تحبه نفسي؟" (نش 3: 3).

و بالإضافة إلي هذا البحث وهذا السعي، نري أن الله يرفع عنها ذلك التخلي، ويعود إلي النفس، فتتمسك به بالأكثر.

و تقول لما رأته "أمسكته ولم أرخه" (نش 3: 4).

 إن الله يسمح أحيانًا أن نذوق مرارة البعد عنه بعض الوقت. لكي نشتاق إليه بالأكثر..
لأنه من الجائز أن محبة الله لنا، بدلًا من أن تقودنا إلي الله، نتحول بها إلي التدلل!!

فتقول "غسلت رجلي، فكيف أوسخها؟!"

لك ما شئت. ولكن أن حبيبك تحول وعبر.. فماذا أفادك التدلل؟!