من كتاب تاملات في الميلاد ++ مُصالحة السماء مع الأرض ++ البابا شنودة الثالث


من كتاب تاملات في الميلاد ++ مُصالحة السماء مع الأرض ++ البابا شنودة الثالث  

 مُصالحة السماء مع الأرض

 وفي صلح السماء مع الأرض الذي جلبته بركة الميلاد لم تقتصر الصلة على ظهور الملائكة والأحلام المقدسة والظهورات المقدسة، بل أيضًا رجعت روح النبوة مرة أخري، ورجع عمل الروح القدس في الناس وامتلاؤهم منه.

نقرأ عن يوحنا المعمدان في بشارة الملاك عنه أنه: " من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو1: 15). ونقرأ في بشارة الملاك للعذراء قوله لها: "الروح القدس يحل عليك، وقوة العليّ تظللك" (لو1: 35).

ونقرأ في زيارة العذراء مريم للقديسة أَلِيصَابَات أنه: "لما سمعت أليصابات سلام مريم، إرتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس" (لو1: 41). ونقرأ عن زكريا الكاهن بعد انقضاء فترة صمته " وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلًا..." (1: 67). ونقرأ أيضًا عن سمعان الشيخ أنه كان رجلًا بارًا: "والروح القدس كان عليه وكان قد أوحي إليه بالروح القدس..." (لو2: 25: 26).

 عجيب جدًا هذا العمل الواسع للروح القدس في الناس في تلك الفترة المقدسة. وعجيب هذا الإمتلاء من الروح القدس وهذا الحلول، وهذا التنبؤ أيضًا... لقد تنبأ زكريا الكاهن، وتنبأت إمراته أَلِيصَابَات، وتنبأ سمعان الشيخ، وتنبأت حنّة بنت فنوئيل (لو2: 36). وبدا أن الله رجع يتكلم في أفواه الأنبياء وكل ذلك كان من بوادر انتهاء الخصومة بميلاد السيد المسيح، أو كانت هذه هي تباشير الصلح الذي تم على الصليب.

 وكان من تباشير الصلح أيضًا رجوع المعجزات. والمعجزات دليل عمل يد الله مع الناس...

كان انفتاح رحم أليصابات العاقر هو المعجزة الأولي. وكان صمت زكريا الكاهن ثم انفتاح فمه بعد تسعة أشهر معجزتين أخريين.

وكانت معجزة المعجزات هي ولادة السيد المسيح من عذراء. وكان ارتكاض الجنين بابتهاج في بطن أَلِيصَابَات تحيه للجنين الإله الذي في بطن العذراء هو معجزة أخري. ولا نستطيع أن نحصي المعجزات التي رافقت ميلاد المسيح وطفولته. أما معجزاته في أرض مصر، فلعل أبرزها هو ما يشير إليه إشعياء النبي قائلًا: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر. فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها" (إش19: 1). وفعلًا سقطت أوثان مصر بدخول الرب إليها...

 كل هذا يدل على أن يد الرب قد بدأت تعمل، وأن ميلاد السيد المسيح كان مقدمة لصلح السماء مع الأرض، الصلح الذي قلنا إن أولي تباشيره كان ظهور الملائكة. ويحسن أن نقف وقفة تأمل بسيطة عند ظهورات الملائكة هذه...

 أول ملاك ظهر وذكره الإنجيل المقدس، كان هو الملاك الذي ظهر لزكريا الكاهن. إنها لفته كريمة من الرب يعطى بها كرامة للكهنوت، فيكون ظهور الملائكة أولًا للكهنة، بعد فترة الاحتجاب الطويلة. ولفته كريمة أخري للكهنوت، أن يظهر الملاك في مكان مقدس: "واقفًا عن يمين مذبح البخور " وفي لحظة مقدسة عندما كان زكريا البار يكهن للرب ويرفع البخور أمامه (لو1: 8-10)...

جميل من الرب أنه عندما أرسل خدامه السمائيين أولًا إلى بيته المقدس وإلى خدام مذبحة الطاهر. ولا شك أن هذا كله يشعرنا بجمال المذبح الذي وقف الملاك عن يمينه في أول تباشير الصلح. كم بالأكثر جدًا مذبح العهد الجديد في قدسيته الفائقة للحد، حيث ملاك الذبيحة الصاعد إلى العلو يحمل إلى الله تضرعنا...