تأمل من سفر نشيد الأناشيد ... أنا نائمة وقلبي مستيقظ جزء 1 (نش 5: 2) +++ البابا شنودة الثالث
هذا النشيد يعطي روح الرجاء، حتى بالنسبة إلي النائمين.
ما أجمل قول المسيح للتلاميذ وهم نائمون في البستان "الروح نشيط أما الجسد فضعيف" (مت26: 41). إذن فحتى لو كان الجسد ضعيفًا، لا يستطيع أن يتمشي مع عمل الروح، فإننا نشكر الله الذي يمتدح الروح علي الرغم من ضعف الجسد، ويعطيها رجاء.
وعذراء النشيد تجد نفسها هنا (نائمة): لا يقظة روحية، ولا نشاط، ولا حرارة، ولا حيوية، ولا عمل روحي.
ومع هذا النوم تري نافذة من رجاء مفتوحة: وهي قلبها المستيقظ.
علي الرغم من نومها، مازال قلبها مستيقظًا. مازلت حساسة لصوت حبيبها، تسمعه وهو يقول لها "افتحي لي".
إذن هو مجرد نوم، وليس موتًا، ومازال القلب نابضًا بالحياة.
هنا حياة قد تكون خاملة، ولكنها موجودة..
الشجرة لا تعطي ثمرها، ولكنها لا تزال حية، ربما لو نقب الرب حولها ووضع زبلًا، تعطي ثمرًا فيما بعد.. النفس نائمة ولكنها حساسة لصوت الرب ولندائه، تميزه عن صوت الغرباء، وتشعر أنه حبيبها علي الرغم من عدم صلتها به..
أنا نائمة وقلبي مستيقظ. لا نضيع الوقت في توبيخ النوم، وإنما نفرح بيقظة القلب، فهي التي ستقيم النفس من نومها.
نشكر الله أنه لم ييأس من النائمين، وإلا هلكوا وضاعوا..
قد تكون نفسي أمامك يا رب، أرضًا خربة مغمورة بالمياه، وعلي وجه الغمر ظلمة (تك1: 2)، ولكن المفرح أن روحك مازال يرف علي وجه المياه، وسيأتي وقت تقول فيه ليكن نور، فيكون نور (تك1: 3)..
ما أجمل قول النبي "لا تشمتي بي يا عدوتي، فإني إن سقطت أقوم (مي7: 8)، قد أكون نائمًا، ولكني سأستيقظ.. "كثيرون يقولون لنفسي ليس له خلاص بإلهه، ولكن أنت يا رب ناصري. مجدي ورافع رأسي" هكذا قال المزمور:
"أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت، لأن الرب معي" (مز3)
ربما تكون لي أربعة أيام في القبر، يقولون عني قد أنتن (يو11: 39). ولكني واثق أن صوتك سيأتيني "لعازر هلم خارجًا" (يو11: 43) وتقوم نفسي النائمة، حينما يسمع صوتك قلبي المستيقظ.
حقًا لا نستطيع أن نغلق باب الرجاء، أمام أي نفس..
مهما كانت حالتها تبدو ميئوسًا منها!.. الله قادر أن يقيم من الحجارة أولادًا لإبراهيم (مت3: 9).. إن الرسول يقول: لا نفشل حتى إن مات إنساننا الخارج يفني، فالداخل يتجدد يومًا فيوم" (2كو4: 16).
هذا يعطي رجاءً ليس للنائمين فقط، وإنما للخدام أيضًا.
لا تيأس من أحد، مهما بعد عن الرب.. ربما تكون البذرة في حالة خمول، ولكن الحياة الكامنة فيها تنتظر وسائل إنبات لكي تدب فيها الحياة من جديد..
إن الرياح في الصحراء قد تحمل البذار وتلقيها بعيدًا حيث تدفن في الرمال، وتظل مدفونة مددًا طويلة، إلي أن تسقط بعض الأمطار، فتدب الحياة في هذه البذار المدفونة وتنبت..
وهناك بذار بطيئة في نموها، كنواة البلح، تمضي شهورًا طويلة بدون علامة حياة علي وجه الأرض، ثم تظهر الخضرة..
نحن لا نيأس مطلقًا من النفوس النائمة مهما طال نومها.
كان الرسل النائمين، خائفين ومختبئين في العلية. ولكن جاء الوقت الذي ظهروا فيه، وملأوا الدنيا كرازة وتبشيرًا..
وحتى لو ظل النائمون مستمرين في نومهم، فلا نيأس مادامت هناك نفوس أخري ساهرة من أجلهم.
يذكرني هذا بالرعاة المتبدين الذين كانوا يسهرون في حراسات الليل علي غنمهم وقت ميلاد المسيح (لو2: 8) . ويذكرني أيضًا بقول بولس "من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كو11: 29). قد تكون هناك نفوس نائمة، ولكن الكنيسة ساهرة من أجلها، لتوقظها..
وحتى إن نام الرعاة، هناك عين الله الساهرة، التي لا تنام.
إن لم تستطع نفسي أن تقول "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" فإنها ستقول لك يا رب "أنا نائمة ويكفي أنك أنت مستيقظ".
إن كلمة الرب قد تصل إلي النفس، وربما يبدو أنها لم تحدث أثرًا ولم تأت بنتيجة. ولكن عمل الروح القدس الدائم في النفس، سيظهر هذه النتيجة فيما بعد، لأن كلمة الرب لا ترجع فارغة (أش55: 11) إنها كالخبز علي وجه المياه، بعد أيام كثيرة تجده (جا11: 1).
"أنا نائمة وقلبي مستيقظ". ربما يكون نومي كسلًا، وضعفًا، وفتورًا، وسقوطًا، ولكنه لن يكون خيانة..
فقلبي مستيقظ، وقلبي لك، يسمع صوت حبيبه قارعًا. قد أسقط في الخطية، ولكني أسمع الصوت في داخلي يوبخني ويقول إن هذا لا يليق.. قد أبعد عنك، ولكن نخسك لقلبي مستمر. ولن أستطيع مقاومته مدة طويلة.. قد أقاوم محبتك إلي حين، ولكن صعب علي أن أرفس مناخس (أع9: 5)..
أنا أعلم أنني سأستيقظ. ولكن لا يجوز أن يطول نومي.
إن الرجاء لن يدفعني إلي التراخي، بل سيبكتني ضميري عليه فيما بعد، وسأوبخ نفسي كما قال لك القديس أوغسطينوس "لقد تأخرت كثيرًا في حبك". وكما قال بولس "أنا الذي كنت مضطهدًا للكنيسة" (1كو15: 9) إن مناخسك تعمل في قلبي وأنا نائم…
أنا يا رب لا أستطيع أن أبعد عنك: إحساسي بمناخسك في قلبي، تدل علي أن القلب مستيقظ، وأنه لن يقبل النوم.. إنني أسمع صوت الكنيسة تقول "قوموا يابني النور، لنسبح رب القوات" وقول الرسول "إنها الآن ساعة لنستيقظ" (رو13: 11) وأيضًا:
"استيقظ أيها النائم، فيضئ لك المسيح" (أف5: 14).
"أنا نائمة وقلبي مستيقظ. صوت حبيبي قارعًا".
إنني أعجب لهذه النفس التي تسمع صوت حبيبها وتظل نائمة!
بينما الله "فيما نحن ندعو، هو يستجيب".. إننا لا نعامله بنفس المعاملة. ما أكثر ما نغلق أبوابنا في وجهه، حتى يمتلئ رأسه من الطل، وقصصه من ندي الليل..
ولكننا نشكر الله في كل ذلك علي صبره وطول أناته.
إنه يدعو قائلًا "قومي يا حبيبتي وجميلتي وتعالي" (نش2: 10). ونحن نسمع ولا نستجيب. ويظل الرب يقرع علي أبوابنا ويقول "مددت يدي طول النهار لشعب معاند ومقاوم" (رو10: 21)..
والعجيب أن أعذارنا كثيرة، نحاول بها أن نبرر بها عدم استجابتنا..
"غسلت رجلي، فكيف أوسخهما؟ّ خلعت ثوبي فكيف ألبسه؟!.
يطبق القديس أغسطينوس هذه الآية علي النفس في دعوتها إلي الخدمة: نفس لبست البر، ونالت الطهارة، واستراحت إلي هذا ونامت. وصارت تحتج: كيف أخرج إلي الخدمة وأصطدم بما فيها من مشاكل وتعب! وفيما أنا أسير علي الأرض في طريق الخدمة قد تتسخ رجلاي مرة أخري، فكيف أوسخهما؟
ويجيب القديس أوغسطينوس: لا تتضايق إذا اتسخت رجلاك، فالمسيح قد غسل أرجل تلاميذه. وسيظل يغسلك كلما اتسخت..
إذا دعاك الرب، فلا تضع أمامك عوائق، ولا تعتذر بأعذار.. فطالما الأعذار موجودة، منخاس الله موجود..
هل انتفعت هذه العروس بأعذارها؟! لقد قالت: حبيبي تحول وعبر..
ومع ذلك كان صوت حبيبها أقوي من جميع أعذارها.. كما أنها لم تستطع أن تحتمل عملًا آخر من أعمال محبته "حبيبي مد يده من الكوة، فأنّت عليه أحشائي".
لقد أنت أحشاؤها، لأن قلبها كان مستيقظًا ولم تحتمل محبة الرب.
"أنا نائمة" إنه اعتراف. والمعترفة بخطاياها قريبة من اليقظة.
إن كنت نائمًا، قم إذن واستيقظ، فالسيد الرب يقول "اسهروا وصلوا، لئلا تدخلوا في تجربة".
أولاد الله دائمًا متيقظون قلبًا وفكرًا وروحًا، متيقظون من نحو أنفسهم ونحو الآخرين "من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كو11: 29).
ما أجمل ما نفهمه من هذا الفصل: إنه حتى الأبواب المغلقة لا يتركها الله، وإنما يق وراءها قارعًا، في حب وانتظار.