من تأملات سفر نشيد الأناشيد ... أنا سوداء وجميلة (ج) ++ البابا شنودة الثالث


من تأملات سفر نشيد الأناشيد ... أنا سوداء وجميلة (ج) ++ البابا شنودة الثالث

 كنيسة الأمم:

إنها عبارة تتوجه بها كنيسة الأمم إلى بنات أورشليم، أي إلى كنيسة اليهود الذين يحتقرون الأمم، ولا يعترفون بهم شعبا لله..

يرون أن جماعة الأمم سوداء، لأنها قد حُرمت من أصل الآباء، ومن الناموس والأنبياء، بلا شريعة إلهية، بلا تقاليد، بلا عهد مع الله، وبلا وعود إلهية، بلا تاريخ، بلا نسب إلى أب الآباء إبراهيم.

لذلك فإن كنيسة الأمم تقول لهم أنني وإن كنت سوداء، إلا أنني جميلة في المسيح يسوع والانتساب إليه..

إن كنت سوداء، ليس لي إبراهيم أبًا، فأنا جميلة لأن لي أبًا في السماء. وأمي هي المعمودية التي وُلدت فيها من الروح القدس والماء.

 إن كنت سوداء لم أتعلم في مدرسة الناموس والأنبياء، فأنني جميلة إذ تدربت في مدرسة النعمة. لم أدرك الحرف، لكنني أدركت الروح "جعلنا الله كفاة لأن نكون خدام عهد جديد، لا بالحرف بل بالروح. لأن الحرف يقتل، ولكن الروح يحيي" (2كو 3: 6).

أنا لم أدرك الوصايا العشر، لكني أدركت العظة على الجبل وتعليم الإنجيل وسفر الأعمال وكتابات الرسل القديسين.

 أنا سوداء في نظر بعض البشر، لكنني جميلة كما يراني الرب.

سوداء في حكم قسوتكم كبشر. لكنني جميلة بحنان الرب ورحمته. إن الرب قد بسط علي جماله (حز 16: 14). وساواني بكم على غير استحقاق.

ماذا أقول للرب الذي أعطاني دينارًا، كالذين جاءوا إليه من أول النهار، أنا الذي أتيت في الساعة الحادية عشرة (مت 20: 9 – 15).

"بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطانيه؟! كأس الخلاص آخذ، وباسم الرب أدعو.." (مز 116: 12، 13).

 أنا سوداء لأنني زيتونة برية..

ولكنني جميلة لأنني طُعمت في الزيتونة الأصلية، فصرت شريكة في أصل الزيتونة ودسمها (رو 11: 17). هي قُطعت من أجل عدم الإيمان وأنا بالإيمان ثبت وأصبح الأصل يحملني. ولن أفتخر على الأصل (رو 11: 18).

 أنا سوداء بالنسبة إلى حياتي الماضية، ولكنني جميلة وأنا مغسولة بدم الذي أحبنا وغسلنا من خطايانا بدمه (رؤ 1: 5)

وهكذا صرت بيضاء كالثلج.. سوداء بطبيعتي الترابية المادية. وجميلة بحلول الروح القدوس في هيكلي (1كو 3: 16). فأناره وقدسه ودشنه.

سوداء كخيام قيدار (حفيد إسماعيل) التي لها شعر الماعز الأسود. ولكني جميلة كشقق سليمان، كستائر الهيكل التي من أسمانجوني وقرمز وأرجوان.. من الداخل. "وكل مجد ابنة الملك من داخل" (مز 45).

 أنا سوداء كالعشار في نظر الفريسي (لو 18: 11).

وكالمرأة الخاطئة في نظر فريسي آخر هو سمعان (لو 7: 39). وكالمرأة السامرية في نظر التلاميذ الذين تعجبوا من أن الرب كان يتكلم معها (يو 4: 27). نعم سوداء، كالمولود أعمى الذي شتمه اليهود قائلين له: أنت تلميذ ذاك (أي المسيح).. في الخطايا وُلدت بجملتك" (يو 9: 28، 34).

ولكنني جميلة في نظر الرب الذي بررني كل أولئك..

 أنا سوداء كالمرأة الكوشية التي أتخذها موسى النبي امرأة له (عد 12: 1).

ولكنها صارت باتحادها بهذا النبي، حسب تعليم الرب (1كو 7: 14) . وعلى الرغم من أن مريم وهارون قد تكلما على موسى بسبب تلك الكوشية، إلا أن الرب لم يوافقهما على ذلك، بل وبخهما وامتدح موسى.

وقد كانت تلك المرأة الكوشية رمزًا لي، أنا كنيسة الأمم.

وكالمرأة الكوشية، كانت ملكة سبأ، كلتاهما سوداء وجميلة.

وكل منهما كانت رمزًا. ومع أن ملكة سبأ (ملكية التيمن) كانت سوداء، إلا أنها كانت جميلة. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وقد طوبها الرب وقال أنها ستقوم في يوم الدين مع ذلك الجيل وتدينه (مت 12: 12).

 كذلك مدينة نينوى كانت رمزًا لي أيضًا: سوداء وجميلة.

كانت سوداء في خطيتها، التي بسببها أرسل الله يونان النبي لكي ينادي عليها بالهلاك (يون 1: 1، 2). وكانت أممية أيضًا مثلي. ولكنها كانت جميلة في توبتها وصومها. حتى أن الله لما رأي أن أهلها قد "رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم، فلم يصنعه" (يون 3: 10). بل قال ليونان".. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة؟!" (يون 4: 11).

وأكثر من هذا أن الرب قدَمها كمثال يوبخ بها اليهود، فقال لهم: "رجال نينوى سيقومون في يوم الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان. وهوذا أعظم من يونان ههنا" (مت 12: 11).

 أنا سوداء وجميلة، معترفة بحالتي. لست أنكر أصلي ولا شكلي. ولكنني جميلة في حياة الرجاء التي قدمها لنا الرب.

لي رجاء في الله الذي قبل إليه الابن الضال، قائلا أنه كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوُجد" (لو 15: 24). ولم يكتفِ بهذا، بل ذبح له العجل المسمَن، وقال كان ينبغي أن نفرح ونُسر" (لو 15: 32).

حياة ذلك الابن الضال كانت سوداء في سقطتها، وجميلة في توبتها.

بل إن قصة هذا الابن الضال، كانت أيضًا رمزًا لكنيسة الأمم، التي بعدت أولًا عن الرب ثم عادت إليه، وفرح الله بعودتها بينما الابن الأكبر كان يرمز إلى كنيسة اليهود التي افتخرت بخدمتها له، ولم تفرح برجوع الأمم إليه (لو 15: 15 – 30).

 أنا سوداء، ولكن لي رجاء في الله الحنون الطيب.

الذي لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا (حز 18: 23). الله "الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا بحسب آثامنا. وإنما مثل ارتفاع السموات على الأرض، قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا.. لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 10-14).

 أنا سوداء في اعترافي بخطاياي. وجميلة بما آخذه من غفران وحل.

كذبيحة الخطية تُحرق خارج المحلة لأنها حاملة خطايا (عب 13: 11). ومع ذلك فهي جميلة لأنها قدس أقداس للرب (لا 6: 34).. وكذبيحة المحرقة التي تأكلها النار كلها حتى تتحول إلى رماد (لا 6: 10). ولكنها مع ذلك فهي جميلة، لأنها "رائحة سرور للرب" (لا 1: 9، 13، 17).

 أنا سوداء كفحمة في المجمرة، جميلة كلما اشتعلت بالنار.

تتوهج كلما أتقدت النار فيها، ولا نعود نبصر سوادها. وتتحول من فحمة إلى جمرة. وكل من يراها لا يقول عنها إنها فحمة. وإنما يقول: هذه نار، نار طاهرة.. صارت جميلة..

أنا سوداء كسحب الدخان، التي ترتفع من بخور عطر يحترق.

سوداء في لونها، ولكنها جميلة في رائحتها الزكية، وفي رموزها، وفي ارتفاعها إلى فوق، كصلوات القديسين.. كالمر غير المقبول في مذاقه، ولكنه جميل في رائحته الزكية، وفي رمزه لآلام المسيح.

 أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، هكذا تقول كنيسة الأمم.
ولكنها في بعض الأوقات كانت أكثر جمالًا من بنات أورشليم.
كان ذلك حينما قبلت الإيمان، في الوقت الذي رفضته فيه أورشليم التي أحبت الظلمة أكثر من النور (يو 3: 19). وهكذا قال الرب لبولس الرسول "اذهب فأني سأرسلك بعيدًا إلى الأمم" (أع 22: 21).

بل قبل ذلك حينما قال الرب مطوبًا إيمان قائد المائة:

"الحق أقول لكم: لم أجد ولا في أورشليم إيمانًا بمقدار هذا" (مت 8: 10).

وأضاف "وأقول لكن إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات. وأما بنو الملكوت فيطرحون في الظلمة الخارجية.." (مت 8: 11، 12). ومن هم أولئك الذين أتوا من المشارق والمغارب، إلا أبناء تلك السوداء الجميلة.

 يذكرني هذا بسوداء جميلة أخرى هي المرأة الكنعانية.

كانت سوداء لأنها تنتمي إلى شعب قد لُعن من قبل (تك 9: 5). ولكنها كانت جميلة حينما لجأت إلى السيد. وكانت جميلة بالأكثر حينما قالت له في انسحاق قلب "وأيضًا الكلاب تأكل من الفتات الساقط من مائدة أسيادها". وقد طوَب الرب جمال نفسيتها قائلًا لها "عظيم هو إيمانك" (مت 15: 27، 28).

 أخيرا فإن هذه السوداء الجميلة في سفر النشيد، تقول:

أنا سوداء، ولكني لن أبقى سوداء إلى الأبد.

أنا سوداء في هذا الجسد المادي، ولكنني سأصير جميلة في الجسد النوراني الروحاني الذي سآخذه عندما يلبس الفاسد عدم فساد، ويلبس المائت عدم موت، فيقوم في مجد وفي قوة (1كو 15: 43-24).

سأصير جميلة، وأنا آكل من شجرة الحياة، وأطعم المن المخفي (رؤ 2: 7، 16) ويعطيني الرب اسمًا جديدًا، ويلبسني ثيابًا بيضاء (رؤ 2: 16) (رؤ 3: 5).